تأثير العين

اتفق عامة أهل العلم على حقيقة العين وإصابة الإنسان بها، وأن هذا التأثير من الله تعالى أولاً وآخرًا، فلا يضر أحد ولا ينفع في هذا الكون إلا بإذن الله وحده وضمن إرادته، ولكنهم اختلفوا في الكيفية التي تحدث بها العين على أقوال:

فمن قائل أنها تنبعث من النفس الرديئة قوة سمّية تتصل بالمعين فيتضرر على إثرها.

- ومنهم من قال إنها جواهر لطيفة غير مرئية تتخلل مسام جسم المعين فيتضرر ويلحق به الأذى.

- ومن قائل إنها قوى شيطانية مهيئة عند الحاسد وتخرج إلى المعين وتصيبه إذا كان مكشوفًا وغير محصن بالقرآن والأدعية والأذكار.

وكل هذه الأقوال لا تصل إلى القطع، وإنما الذي يصل إلى القطع هو التأثير.

ومن الفائدة أن نذكر جزءًا من كلام ابن القيم رحمه الله في هذا الباب فيقول:

»ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها خواصّ وكيفيات مؤثرة، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام، فإنه أمر مشاهد محسوس، وأنت ترى الوجه كيف يحمرُّ حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه، ويصفرُّ صُفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح، ولشدة ارتباطها بالعين يُنسب الفعل إليها، وليست هي الفاعلة، وإنما التأثير للروح، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بيّنًا، ولهذا أمر الله رسوله أن يستعيذ به من شره، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين، فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيّف بكيفية خبيثة، وتقابل المحسود، فتؤثّر فيه بتلك الخاصية، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى، فإن السمّ كامن فيها بالقوة، فإذا قابلت عدوّها، انبعثت منها قوة غضبية، وتكيّفت بكيفية خبيثة مؤذية«(1).

ومصدر العين هو نظر العائن وإعجابه وشدة استحسانه أو شدة عداوته وحسده للمعين، كما لا يلزم العين النظر البصري، لأن الأعمى قد يعين الناس ويحصل لهم الضرر والأذى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) زاد المعاد 4/ 166.



بحث عن بحث