إشكالية حدوث السحر على النبي

لقد وقع السحر حقيقة على النبي ﷺ وتأثر به كما يتأثر به جميع البشر، وقد جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: «سحر النبي ﷺ حتى كان يخيّل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى كان ذات يوم دعا ودعا، ثم قال: أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب قال: ومن طبه؟ قال لبيد بن الأعصم، قال: فيما ذا؟ قال في مشط ومشاقة وجف طلعة ذكر قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان، فخرج إليها النبي ﷺ ثم رجع فقال لعائشة حين رجع: نخلها كأنه رءوس الشياطين فقلت: استخرجته فقال: لا، أما أنا فقد شفاني الله وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرًا ثم دفنت البئر«(1).

وقد أشكل هذا الحديث على بعضهم، فظنوا أنه لا يجوز ذلك على النبي ﷺ وأنه قدح في النبوة، ولذلك أنكروا الحديث من أصله، وقد ردّ هذا الكلام جمهور العلماء، وأثبتوا صحة الحديث، ومن أجمل هذه الردود وأوجزها كلام القاضي عياض رحمه الله، حيث يقول:

«والسحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل يجوز عليه ﷺ، كأنواع الأمراض مما لا يُنكر، ولا يقدح في نبوته، وأما كونه يُخيّل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من صدقه، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا وإنما هذا فيما يجوز طُرُوُّه عليه في أمر دنياه التي لم يُبعث لسببها، ولا فُضِّل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أن يُخيّل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان»(2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (ص544، رقم3267) كتاب بدء الخَلق، باب صفة النار.

(2) نقلاً عن: زاد المعاد لابن القيم 4/ 124.



بحث عن بحث