رابعًا: الريــاء (1-2)

وهو أن يقوم العبد بعمل من أجل الدنيا، إما لشهرة، أو جاه، أو مال، أو مصلحة شخصية. وهو عكس الإخلاص.

أما في العبادة، فيعبد الله تعالى لا لطلب الأجر والثواب من الله والطمع في جنته، ولا خشية من عقابه وعذابه، ولا استجابة لندائه وأمره، وإنما من أجل أن يمدحوه الناس ويثنوا عليه، كالذي يصلي ويصوم من أجل أن يقال عنه عابد وتقي، أو الذي ينفق ويزكي من أجل يقال عنه كريم وسخي، أو يجاهد من أجل أن يقال له شجاع، وهكذا.

وقد جاء النهي عن الرياء بصورة عامة، في العبادة وغيرها، لقوله ﷺ: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء«(1).

أضرار الريــاء:

للرياء أضرار كثيرة، من أهمها:

1- عدم قبول العبادة، لأن المرائي لم يقصد من عبادته تلبية أمر الله والطمع في الأجر والثواب، وإنما قام لأغراض دنيوية، وحينها يوكله الله تعالى إلى من يرائي من أجله، لقوله ﷺ في الحديث القدسي: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه«(2).

2- أن في الرياء تعلقًا بالمخلوقين، وهذا الأمر تترتب عليه أضرار عظيمة، لأنه ينافي أصل التوحيد وهوإفراد الله تعالى بالعبادة، وهو رأس المفاسد كلها، ومن أشد أنواع الظلم للنفس، كما قال تعالى على لسان لقمان في وصيته لابنه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}(3).

ثم إن المرائي يدخل في دوامة نفسية خطيرة، حين يعلّق أعماله بالناس، لأن قلبه يتشتت بين إرضاء البعض وسخط الآخرين، والتوفيق صعب في مثل هذه الأحوال، فتتعدد عليه الغايات وتتناقض، الأمر الذي يجعله يعيش في قلق وأرق وخوف.

3- الرياء صورة من النفاق، وهو إظهار ما يخالف الباطن، وهذا يؤدي إلى فقدان الثقة بين الناس مع مرور الوقت، فيحل الكذب والخيانة والغش مكان الصدق والأمانة والاستقامة، وهذا كفيل بتمزيق المجتمع وانهياره.

4- بما أن الرياء هو عكس الإخلاص، فإنه بذلك يقضي على مقوّمات التقدم والبناء في المجتمع، ومن أهمها الإتقان في العمل والإبداع فيه، لأن الشكل والصورة عند المرائي أهم من الحقيقة، فلا يهمه إن كان العمل متقنًا أم لا، كما لا يهمة الجودة في الإنتاج، بل يهمه أن يظهر أمام الناس بصورة إيجابية، وهو خلاف ما حثّ عليه النبي ﷺ حين قال: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم«(4).

5- الرياء تصنع الأنانية في النفس وتقضي على روح التعاون ومحبة الآخرين وحب الخير لهم، لأن المرائي يعمل دائمًا من أجل نفسه، وشهرته وثناء الناس عليه، أو تحقيق مكاسب مالية خاصة، أو الوصول إلى مكانة اجتماعية أو وظيفية عليا وإن كان على حساب الآخرين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه أحمد (5/429، رقم 23686). والحاكم (4/365، رقم 7937). وقال: صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي.

(2) أخرجه مسلم (ص 1292، رقم 7475) كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله.

(3) [لقمان: 13]

(4) أخرجه مسلم (ص1124، رقم 6543) كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذلانه.



بحث عن بحث