ثالثًا: الكبر (2-2)

علاج الكبر:

ومن أجل ألا يقع الإنسان في الكبر، أو يتعافى منه بعد الوقوع فيه ينبغي معرفة بعض الحقائق واتباع الخطوات اللازمة لذلك، وهي كالآتي:

1-استشعار عظم ذنب الكبر وما يترتب عليه من بغض الله للمتكبر، وعقاب منه وعذاب، يقول تبارك وتعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}(1).

ويقول عليه الصلاة والسلام: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ههنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه«(2).

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ: «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل الناس طينة الخبال«(3).

ويقول ﷺ: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر«(4).

كما جاء في الحديث القدسي عن النبي ﷺ أنه قال: «قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار«(5).

والأحاديث عن ذمّ الكبر والنهي عنه كثيرة، ويطول المقام لذكرها جميعًا.

2-تأمل قوة الله تعالى واستشعار عظمته في الكون، وأنه بيده ملكوت السموات والأرض، فهو الجبار المتكبر، وهو العزيز القوي، فإذا شاء أضعف القوي، وأفقر الغني، وأجهل العالم، ووضع ذا القدر والمكانة، وأذهب الحسن والجمال، وهكذا، فلا يغرنّ أحد بما عنده أو ما هو عليه من الفضل والنعمة، لأنها من الله وإلى الله، وصدق الله القائل في قوم عام:{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ}(6).

ويقول عليه الصلاة والسلام: «بينما رجل يمشي في حلة تعجب نفسه، مرجل جمته، إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة«(7).

3-أن يتأمل الإنسان في ذاته ونفسه، ومعرفة أصل خلقته، لقوله تعالى: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ . مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ . مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ . ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ . ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}(8)، وكذلك التأمل فيما يحمل في جوفه من أقذار وخبائث، فإن التفكير الصحيح في مثل هذه الحقائق يمنع صاحبه من التكبر والاستعلاء على الناس.

4-التأمل والتفكر في الشدائد التي تمر على الإنسان كالمرض والحوادث والكوارث التي تجلب الآلام وتذهب الأرواح، وتتلف الأموال والأملاك، في حين يبقى الإنسان عاجزًا عن منع حدوثها أو ردّ شيء منها.

5-التفكر والتأمل في حاله بعد موته، وحال بدنه وجسمه التي كان يتباهى به في الدنيا، فإنها تتحول إلى قطعة هامدة يابسة، وتصبح غذاء للديدان والحشرات، وصدق الشاعر حين قال:

يابن التراب ومأكول التراب غداً *** أقصـر فإنـك مأكـول ومشـروب

6-معرفة أن الناس جميعًا يرجعون إلى أصل واحد وهو آدم عليه السلام، وهو من التراب، فلا يتفاضل أحد على أحد بالنسب أو اللون أو الجمال أو العرق، لأنهم جميعًا عباد الله تعالى وأقربهم إلى الله وأفضلهم عنده أكثرهم تقوى بالقول والعمل، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(9).

7-معرفة أن الله تعالى خلق الإنسان في أجمل صورة وأحسن تقويم، مهما كان لونه وطوله وحجمه، لقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}(10)، فلا ينبغي لأحد أن يتعالى على خَلق الله تعالى وعلى صورته وشكله، لأنه بذلك يسخر من خَلق الله للإنسان.

كما أن جل وعلا أكرم الإنسان وأعلى شأنه وأسجد الملائكة له، فلا ينبغي لأحد أن يتكبر على هذا المخلوق الذي رفع الله مكانته وفضله على سائر الخلائق، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}(11).

8– معرفة أن الكبر خُلق مذموم من الناس، وترفضه الفطرة السليمة، وأن الذين يتكبر على الناس يصغر في أعينهم، والذي يتواضع مع الناس يكبر عندهم، وقد قيل: مثل المتكبر كمثل رجل في أعلى الجبل يرى الناس من حوله صغارًا والناس يرَوْنَه صغيرًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [النحل: 23]

(2) أخرجه مسلم (ص1124، رقم 6541) كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذلانه  .

(3) أخرجه مسلم (ص895، رقم 2002) كتاب الأشربة، باب بيان إن كل مسكر حرام  .

(4) أخرجه مسلم (ص54، رقم 265) كتاب الإيمان، تحريم الكبر  .

(5) أخرجه أبوداود (ص577، 4090) كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر. وابن ماجه (ص609، رقم 4174) كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر. وهو حديث حسن.

(6) [فصلت: 15-16]

(7) أخرجه البخاري (ص1021، رقم 5789) كتاب اللباس، باب من جرّ ثوبه من الخيلاء. ومسلم (ص934، رقم 2088) كتاب اللباس، باب تحريم التبختر في المشي مع إعجابه بثيابه.

(8) [عبس: 17-21]

(9) [الحجرات: 13]

(10) [التين: 4]

(11) [الإسراء: 70]



بحث عن بحث