أولاً: الغضب (2-2)

علاج الغضب:

لتفادي الغضب أو تفادي أخطاره حين وقوعه لا بد من اتباع بعض الخطوات التي تعدّ وقاية وعلاجًا في آن واحد، ومن أهم هذه الخطوات:

1- أن يتجنب الإنسان أسباب الغضب ودواعيه، وهذا معنى قوله ﷺ للذي سأله قائلاً: يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى فقال رسول الله ﷺ: «لا تغضب»(1). وقد فسر علماء الحديث قوله عليه الصلاة والسلام «لا تغضب» بالابتعاد عن أسباب الغضب ودوافعه.

2- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وشروره وهمزاته، لقوله تبارك وتعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(2). وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}(3).

وفي الصحيح أنه «استب رجلان عند النبي ﷺ فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، قال رسول الله ﷺ: إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال الرجل وهل ترى بي من جنون»(4).

3-الوضوء: وهي وصفة نبوية تخفف من وطأة الغضب على الإنسان وتحد من ثورته، وتهدئ نفس الغاضب، وتخفض من حرارة جسمه المتوهجة نتيجة الانفعال، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ»(5).

وقال عليه الصلاة والسلام في خطبة له: «ألا إن الغضب جمرة تتوقد في قلب ابن آدم»(6). ومثل الوضوء؛ بل قد يكون أعظم وأجدى الغسل.

4- الالتصاق بالأرض: أي أن يبقى الإنسان الغاضب في مكانه، فإن كان جالسًا فلا يقوم، لأن الحركة قد تثيره أكثر، يقول الرسول ﷺ: «ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء فليلصق بالأرض»(7).

5-تغيير وضعية الغاضب أثناء غضبه، إن كان واقفًا يجلس أو يضطجع، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع»(8).

وهو علاج لتهدئة النفس وإخماد نار غضبها، لأن الإنسان في حالة الوقوف يكون مهيئًا للانتقام أكثر منها في حالة الجلوس، وفي حالة الجلوس منها في حالة الاضطجاع.

6-كظم الغيظ أثناء الغضب بالعفو وعدم الانتقام، لأن ذلك يقضي على بذور الفتن، ويفتح أبواب المحبة والتسامح بين الناس، ويسد أبواب الشيطان التي يمكن من خلالها أن يدخل بين المسلمين فيثير الفتن بينهم، يقول الله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(9).

ويقول عليه الصلاة والسلام: «من كظم غيظًا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيِّره أي الحور شاء»(10).

7- السكوت وضبط اللسان عن الكلام أثناء الغضب، لقوله عليه الصلاة والسلام: «علِّموا ويسِّروا ولا تعسّروا وإذا غضب أحدكم فليسكت» قالها ثلاثًا(11). لأن إطلاق اللسان أثناء الغضب قد يجعل الإنسان يتلفظ بكلمات سيئة وبذيئة، تكون لها آثارٌ ضارة عليه وعلى الآخرين.

8- الإحسان إلى المسيء وهو أعلى درجات الإحسان، وهو امتثال حقيقي لأخلاق النبي ﷺ، فعن أنس رضي الله عنه قال: «كنت أمشي مع رسول الله ﷺ وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي ﷺ قد أثّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: «يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء»(12).

ويقول ﷺ في حديث آخر: «اتق الله حيثما ما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن»(13).

9-الحلم والتحلي بكل مكارم الأخلاق عند الغضب، وعدم الحكم على شيء إلا بعد التحقق منه، درءًا للمفاسد التي قد تترتب على الاندفاع والانتقام، والحلم من صفات المؤمنين، وهو سبب لعلاج كثير من المشكلات النفسية ومنها الغضب، لقول النبي ﷺ: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه»(14).

10–  أن يمتلك الغاضب نفسه أثناء الغضب، ويتحكم بها ولا يطلقها للانتقام أو الكلام، لقوله ﷺ: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»(15).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (ص1066، رقم 6116) كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب. ومسلم (ص1076، رقم 2449) كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة. ومالك في الموطأ (ص569) كتاب حسن الخُلق، باب ما جاء في الغضب.

(2) [الأعراف: 159]

(3) [الأعراف: 201]

(4) أخرجه البخاري (ص1066، رقم 6113) كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب. ومسلم (ص1139، رقم 2610) كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب.

(5) سبق   تخريجه.

(6) سبق   تخريجه.

(7) سبق   تخريجه.

(8) سبق   تخريجه.

(9) [آل عمران: 134]

(10) أخرجه أبوداود (ص677، رقم4777) كتاب الأدب، باب كظم الغيظ. والترمذي (ص416، رقم 2021) كتاب البر والصلة، باب كظم الغيظ. وابن ماجه (ص610، رقم 4186) كتاب البر والصلة، باب في كظم الغيظ. والحديث حسن.

(11) أخرجه أحمد (1/239، رقم 2136) مسند بني هاشم، باب بداية مسند عبدالله بن العباس. والحديث حسن لغيره.

(12)  أخرجه البخاري (ص523-524، رقم 3149) كتاب الأدب، باب التبسم والضحك. ومسلم (ص424، قم 2429) كتاب الزكاة باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة.

(13) أخرجه الترمذي (ص460، رقم 1987) كتاب البر والصلة، باب ما جاء في المعاشرة.

(14) أخرجه مسلم (ص1133، قم 6602) كتاب البر والصلة، باب فضل الرفق.

(15) أخرجه البخاري (ص1066، رقم 6114) كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب. ومسلم (ص1138، رقم 26089) كتاب البر والصلة، باب من يملك نفسه عند الغضب.



بحث عن بحث