آثار العمل الإيجابي على النفس والمجتمع (6-7)

سادسًا: العمل الإيجابي سبب للتوفيق في الحياة:

لقد أمر الله تعالى عباده بالعمل الإيجابي، وأخبرهم أن أثر العمل يظهر على الواقع، يشاهده الله والناس، فمن عمل خيرًا فلنفسه ومن أساء فعليها، فقال: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(1).

فإذا كان هذا العمل إيجابيًا ويصل خيره ونفعه إلى الناس فإن الله تعالى يكافئ صاحبه بالتوفيق والنجاح في الحياة، فضلاً عن المثوبة العظيمة في الآخرة، حيث تفتح أمامه أبواب الخير من العلم النافع، والمال الحلال، والعيش الرغيد، والمنزلة الرفيعة عند الناس، والتمكين في الأرض والتغلب على الأعداء، كما تتحرر نفسه من الخوف والقلق والاضطراب، وغيرها من أنواع التوفيق والسداد، يقول تبارك وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(2). ويقول أيضًا: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(3).

فهذا وعد من الله تعالى لعموم العمل الإيجابي بتحقيق الغلبة والنصر والتمكين، وحصول الأمن النفسي وراحة البال.

كما يخصص الوعد الإلهي أحيانًا بعض الأعمال الصالحة وبما يترتب عليها من جزاء دنيوي قبل الأخروي، حيث ذكَرَ الله المهاجرين في سبيله الذين تركوا الأوطان والأهل والديار، فيبدلهم بتلك المشقةِ العيشَ الرغيد والسعة في الرزق ف الدنيا، والأجر العظيم في الآخرة، يقول تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}(4).

وذلك لأن العمل الإيجابي بصورة عامة يتعدى نفعه لجميع ميادين الحياة، على الإنسان والدواب والرزاعة والصناعة والتجارة وكل ما له شأن بالكون، وصدق الله إذ قال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(5).

حيث يمتد هذا النفع ولا ينقطع، ويستفيد منه جيل وراء جيل، مثل الصدقة الجارية التي حثّ عليها الإسلام وجعلها من الأعمال الإيجابية المهمة، يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له«(6).

وقد أخبر عليه الصلاة والسلام قصة المزارع الصالح الذي كان يخرج الصدقة من حديقته، فكافأه الله تعالى بمزيد من الخير والبركة، وعناية خاصة لأرضه وزراعته، يقول عليه الصلاة والسلام: «بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتًا في سحابة اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له يا عبد الله: ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا؛ فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه«(7).

ويقول تبارك وتعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}(8).

فمن يعمل صالحًا ويقدم خيرًا للعباد فإن الله تعالى يعوضه بذلك خيرًا كثيرًا، وتوفيقًا في الحياة وبركة في المال والبنون، يقول عليه الصلاة والسلام: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل»(9). ويقول أيضًا: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا»(10).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [التوبة: 105]

(2) [النور: 55]

(3) [الأنبياء: 105]

(4) [النساء: 100]

(5) [إبراهيم: 24-25]

(6) أخرجه مسلم (ص1631، ص716) كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته.

(7) سبق تخريجه.

(8) [الأعراف: 58]

(9) أخرجه البخاري (ص227، رقم 1410) كتاب الزكاة، باب الصدقة من كسب طيب. ومسلم (ص409، رقم 1014) كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها.

(10) أخرجه البخاري (ص233، رقم 1442) كتاب الزكاة، باب قول الله: (فأما من أعطى واتقى). ومسلم (ص408، رقم 1010) كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك.



بحث عن بحث