آداب الدعاء

5- الإلحاح بالدعاء:

وهو تكراره والإكثار منه في جلّ الأوقات، فإن الله تعالى لا يملّ من دعاء عبده إذا دعاه، بل إنه يحب ذلك منه، وربما يكون سببًا للإجابة المباشرة، وكان عليه الصلاة والسلام يكرر الدعاء ثلاثًا، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه الطويل والذي قال فيه: «...فلما قضى النبي ﷺ صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثًا وإذا سأل سأل ثلاثًا، ثم قال: اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، الله عليك بقريش«(1).

وعن ابن عباس أن النبي ﷺ قال: - وهو في قبة له يوم بدر - أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا، فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك وهو في الدرع، فخرج وهو يقول: «سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر«(2).

وقد حث عليه الصلاة والسلام في الإلحاح على الله بالدعاء وعدم إظهار الاستغناء عنه بحجة أن ذلك مستكره له، فقال ﷺ: «إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له«(3).

6- رفع اليدين:

ويسن رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء، وبخاصة في المواضع التي رفع فيها النبي ﷺ يديه، لما في ذلك من تعظيم لله تعالى، ومدى حاجة العبد إليه وقلة حيلته نحوه، يقول أنس رضي الله عنه: «رأيت رسول الله ﷺ يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه«(4).

وعن أنس رضي الله عنه قال: «بينما النبي ﷺ يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلك الكراع وهلك الشاء فادع الله أن يسقينا، فمد يديه ودعا«(5).

7- التأمين بعد الدعاء:

ويستحب للعبد التأمين على الدعاء، وهو قوله: «آمين» أي: أجب يا ربنا، لأن الملائكة تؤَمّن لدعائه، وهو سبب لإجابة الدعاء وحصول المغفرة والرحمة، يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه«(6).

كما قال عليه الصلاة والسلام: «من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل«(7).

8- الدعاء بين الجهر والمخافتة:

بما أن الدعاء هو التخاطب باللسان مع الله تعالى بحضور القلب، فلا بد أن يتأدب العبد مع ربه حين يخاطبه، وذلك بعدم رفع الصوت أو الصراخ، كما لا يجوز الدعاء بهمهمة غير مفهومة، بل يكون الأمر وسطًا بين الحالتين.

فقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن رفع الصوت أثناء الدعاء أو التكبير أو التهليل، يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: كنا مع رسول الله ﷺ، فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا، فقال النبي ﷺ: «يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده«(8).

وقالت عائشة رضي الله عنها: «{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}(9)أنزلت في الدعاء«(10).

9- الدعاء بجوامع الكلم:

كما جاء في الهدي النبوي الدعاء بجوامع الكلم، وعدم الدخول في التفاصيل كثيرًا، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله ﷺ وأنا أصلي وله حاجة، فأبطأت عليه، فقال: «يا عائشة عليك بجمل الدعاء وجوامعه» فلما انصرفت من صلاتي قلت: يا رسول الله ما جمل الدعاء وجوامعه؟ قال: «قولي: اللهم إني أسألك الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمتُ منه وما لم أعلم، أسألك الجنة ما قرَّب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل، وأسألك مما سألك منه محمد ﷺ وأعوذ بك مما تعوّذ منه محمد، ﷺ، وما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته رشَدا«(11).

وكان هذا شأنه عليه الصلاة والسلام في الدعاء، ويعلمها من يدخل الإسلام حديثًا، فعن طارق بن أشيم قال: كان النبي ﷺ يُعلّم من أسلم: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني ثم قال: هؤلاء جمعْن خير الدنيا والآخرة«(12).

وعن أنس رضي الله عنه قال: أكثر ما سمعت النبي ﷺ يدعو: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار«(13).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (ص44، رقم 240) كتاب الوضوء، باب إذا لقي على ظهر المصلى قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته. ومسلم (ص799، رقم 1794) كتاب الجهاد، باب ما لقي النبي ﷺ من أذى المشركين.

(2) أخرجه البخاري (ص482، رقم 2915) كتاب الجهاد، باب ما قيل في درع النبي ﷺ.

(3) أخرجه البخاري (ص1102، رقم 6338) كتاب الدعوات، باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له. ومسلم (ص1167، رقم 2678) كتاب الذكر والدعاء، باب العزم بالدعاء.

(4) أخرجه البخاري (ص165، رقم 1031) كتاب الاستسقاء، باب رفع الإمام يده في الاستسقاء. ومسلم (ص958، رقم 895) كتاب صلاة الاستسقاء، باب رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء.

(5) أخرجه البخاري (ص149-150، رقم 932) كتاب الجمعة، باب رفع اليدين في الخطبة.

(6) أخرجه البخاري (ص127، رقم 781) كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى. ومسلم (ص174، رقم 410) كتاب الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين.

(7) أخرجه مسلم (ص1185، رقم 2732) كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الدعاء للمساكين بظهر بالغيب.

(8) أخرجه البخاري (ص494، رقم 2992) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}. ومسلم (ص1175، رقم 2704) كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب خفض الصوت بالدعاء.

(9) [الإسراء: 110]

(10) أخرجه البخاري (ص817، رقم 4722) كتاب التفسير، باب{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}. ومسلم (ص188، رقم 446) كتاب الصلاة، باب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية.

(11) أخرجه أحمد (6/146، رقم 25180). والحاكم (1/702، رقم 1914) وقال: صحيح الإسناد.

(12) أخرجه مسلم (ص267، رقم 660) كتاب المساجد، باب جواز الجماعة في النافلة.

(13) أخرجه البخاري (ص768، رقم 4522) كتاب الدعوات، باب قول النبي ﷺ: ربنا آتنا في الدنيا حسنة. ومسلم (ص1170، رقم 2688) كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة.



بحث عن بحث