شروط الدعاء

خامسًا: الدعاء بالمشروع والبعد عن المحظور:

الدعاء المشروع: ما دعا به النبي ﷺ، والصحابة رضوان الله عليهم، وكل ما هو مباح من السؤال، من جلب خير ومنفعة، ودفع ضرر أو مفسدة، مثل طلب الرحمة والمغفرة والنجاة من النار، وتفريج الهموم والغموم والمصائب، وكذلك طلب حلول النعم والسعة في الحياة الدنيا، كما قال الله تعالى:{وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(1)، فلا يكون الدعاء إلا بالخير العام، سواء لصاحبه أو لغيره من المسلمين.

وكان عليه الصلاة والسلام يدعو بمثل هذا الدعاء الخيّر والشامل، كما جاء في الحديث: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها«(2).

أما الدعاء المحظور: وهو الدعاء بإثم، أو قطيعة رحم، أو تعجل، وقد نهى عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء بقوله: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء«(3).

كما أن الدعاء بتمني الموت يدخل في هذا الباب وقد نهى النبي ﷺ عنه بقوله: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا للموت فليقل: اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي«(4).

ويقول عليه الصلاة والسلام: «لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا«(5).

سادسًا: عدم الاعتداء في الدعاء:

والاعتداء أن يتجاوز الداعي في الدعاء حدود المعقول أو السؤال عن أشياء تعهد الله تعالى بحجبها أو تأجيلها إلى آجال أخرى، وقد نهى الله تعالى عن الاعتداء في الدعاء فقال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(5).

وحين تعدى قوم موسى عليه السلام حدود الدعاء بطلب رؤية الله، عاقبهم الله تعالى بالصاعقة، قال جلّ شأنه:{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}(6).

*     *     *

فإذا اختل شرط من هذه الشروط، أو دعا العبد بخلافها؛ فإن ذلك كفيل بردّ الدعاء وعدم استجابته، بل إن هذه العبادة تنقلب معصية ويترتب عليها الوعيد الشديد من الله تعالى.

إضافة إلى ذلك فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن من أسباب ردّ الدعاء وعدم إجابته ترْك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم«(7).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 201]

(2) أخرجه مسلم (ص1181، رقم 2722) كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل.

(3) أخرجه مسلم (ص1186، رقم 2735) كتاب الذكر والدعاء، باب بيان أنه يستجاب للعبد ما لم يعجل.

(4) أخرجه البخاري (ص1004، رقم 5671) كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت. ومسلم (ص1167، رقم 2680) كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة تمني الموت لضرر نزل به.

(5) أخرجه مسلم في المرجع السابق.

(6) [الأعراف: 55]

(7) [النساء: 153]



بحث عن بحث