صراع الذاكرين مع الشياطين

إن عدوّ الإنسان الأول هو الشيطان، الذي يوسوس في نفسه ويزين له الخبائث والمعاصي، ويعينه على ترك العبادات والواجبات، ويأمره بالأماني الكاذبة والآمال المزيفة، حتى إذا وقع في شرّ أعماله تبرأ منه وبيّن ضعفه أمام جبروت الله وقوته، يقول الله تعالى:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(1).

فكل ما يوحي الشيطان إلى أوليائه بالهمز والنزغ هو من قبيل الوهم والخداع، يقول تبارك وتعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}(2).

والإنسان الذي يغفل عن ذكر الله تعالى وأداء الفروض، ويبتعد عن قراءة القرآن والأدعية والأوراد الصباحية والمسائية يكون أكثر عرضة للوساوس والوقوع في شراك الشياطين، لأنه هيّأ لهم الطريق بغفلته عن ذكر الله وانغماسه في المعاصي والشهوات، يقول تبارك وتعالى:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(3).

أما المؤمن الصالح، فلا يجد مارد أو شيطان إلى نفسه سبيلاً، لأنه تقرَّبَ إلى الله تعالى بالطاعات وأداء الفرائض والدعاء والذكر، فكان الله قريبًا منه، يحميه ويحفظه من الشرور جميعًا، ويؤكد هذه الحقيقة قوله تعالى للشيطان:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}(4).

فالصراع قائم بين الذاكرين والشياطين، حيث لا يكلّ الشيطان وأولياؤه ولا يتعبون من إغواء المؤمنين وتزيين المنكرات لهم، وإبعادهم عن كل ما يمتّ إلى الله من طاعة أو ذكر، فربما يزيّن لهم منكرًا واحدًا ومن ثم تترتب عليه مفاسد ومنكرات أكبر وأعظم، كما هي الحال في شرب الخمر وما يليه من الآثار السلبية على النفس والمجتمع والأمة، يقول تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}(5).

حتى إذا استولى الشيطان على نفس الإنسان وأصبح أسيرًا لإيحاءاته وهمزاته، كما قال تعالى:{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}(6)، فإنه يتحول بفعله وقوله إلى شيطان بصورة إنسان، من شدة ما يقوم من المنكرات والمعاصي ومحاربة المؤمنين والوقوف في وجه الدعاة، ومنع شعائر الإسلام ومعالمه، والتصدي لبيوت الله تعالى التي هي أخصّ أماكن لذكر الله تعالى، يقول جلّ شأنه عنهم:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(7)،

فهؤلاء القوم من البشر صاروا في صف شياطين الجن، وتنعّتوا بنعوتهم وصفاتهم، وأصبحوا يقدمون لهم الطاعة والولاء، ويتأذون من الأذكار كما يتأذى الشيطان منها، يقول تبارك وتعالى:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}(8)،

إلا أن نهاية المعركة وفصل الصراع يكون لصالح المؤمن كما وعد الله تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(9)، لأن هذا المؤمن قد تزوّد من العبادة والذكر والقرآن والاستعاذة ما يستطيع أن يرد بها كيد شياطين الجن والإنس ومفاسدهم وشرورهم، يقول تبارك وتعالى:{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(10)، أي إذا أصابك من الشيطان شيء بفعل معصية أو شر فالجأ إلى الله تعالى واستعذ به من الشيطان، فإنه تعالى لن يخيب ظن عبده ما دام العبد مؤمنًا به قائمًا بين يديه بالطاعات ومقربًا إليه بالذكر والتضرع والنوافل وفعل الصالحات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [إبراهيم: 22]

(2) [النساء: 120]

(3) [المجادلة: 19]

(4) [الحجر: 42]

(5) [المائدة: 91]

(6) [الزخرف: 36]

(7) [البقرة: 114]

(8) [الزمر: 45]

(9) [الأنبياء: 105]

(10) [الأعراف: 200]



بحث عن بحث