فضل الذكر

إن شمولية ذكر الله تعالى لقلب الإنسان وقوله وفعله تجعل له مكانة رفيعة وأهمية كبيرة في الحياة، لأنه بهذا المفهوم الشامل يجعل الإنسان في حالة تواصل دائم مع الله تعالى، فإذا غفل أو نسي ذَكَرَ الله، وإذا أذنب استغفره جلّ علا، وإذا غضب تعوّذَ بالله من شرّ الشياطين، وإذا ظلم عَدَلَ عن ظلمه ليرجع الحق لصاحبه، وإذا أصابه يأس أو قنوط توكّلَ على الله، وإذا أصابه مكروه دعا الله وتضرَّعَ إليه، وهكذا.

لذا جاء النداء الإلهي للعباد في كثير من الآيات بلزوم الذكر دون تحديد أو قيد كما في قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}(1)، وجعله صفة ملازمة لصدق الإسلام والإيمان، يقول تبارك وتعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(2)، ويقول جلّ وعلا:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(3).

والذكر من أفضل الطاعات وأهمها، لأن معظم العبادات والطاعات تدخل تحت مسمى الذكر، ولقوله عليه الصلاة والسلام: « ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله تعالى»(4)، وقوله ﷺ: «من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه«(5).

فذكر الله تعالى يمنح الإنسان المعنى الحقيقي للحياة، حيث يبعث فيه روح الحركة والاجتهاد في المسار الصحيح لأن صاحبه في حالة مراقبة ومحاسبة للذات نحو نفسه والآخرين من حوله. وبالمقابل إذا فقد الإنسان نعمة الذكر أو تغافل عنها فإنه يخطف من الحياة معالم الخير والبناء، لأنه يتحرك حينها من غير تفكير نحو أهداف مجهولة وغامضة، وهذا تأكيد لقوله ﷺ في الحديث السابق: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيّ والميّت«(6).

ومن هنا جاءت أهمية ذكر الله تعالى والمداومة عليه في الحل والترحال وفي جميع الشؤون والأحوال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [المزمل: 8]

(2) [الأحزاب: 35]

(3) [الرعد: 28]

(4) أخرجه الترمذي (ص771، رقم 3377) كتاب الدعوات، باب منه [في أن ذاكر الله كثيرًا أفضل من الغازي في سبيل الله]. وأحمد (5/195، رقم 21750).

(5) سبق تخريجه.

(6) رواه البخاري، برقم 6407، ص1112.



بحث عن بحث