الإعجاز في القرآن الكريم

إن القرآن الكريم كلام معجز بلفظه وبلاغته، ومعجز بأحكامه وتشريعاته، ومعجز بعلومه ومعارفه، ومعجز بغيبياته وحقائقه المستقبلية، بل هو معجز بكل حرف وكل كلمة، والمقام يطول بالحديث عن جميع صور الإعجاز في هذا المصدر الرباني، ولكن هناك بعض الصور التي يتجلى فيها الإعجاز جليًا لكل الناس، والتي تدل على أن هذا المصدر هو من عند الله تعالى، وليس لأحد أن يأتي بشيء من مثله أبدًا، ومن بعض هذه الصور ما يلي:

1- فصاحة القرآن وبلاغته وتأثيرها على النفس: حيث تميَّزَ هذا المصدر ببلاغة قوية في العبارات وفصاحة في الألفاظ وتناسق في المعاني، من غير ركاكة في اللغة أو ضعف في الجمل، رغم كثرة آياته التي تزيد على ستة آلاف وستمائة آية، ورغم الامتداد الزمني الذي نزلت فيه هذه الآيات وهي ثلاثة وعشرون عامًا، وقد تحدّى البشر جميعًا على أن يأتوأ بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، يقول الله تعالى:{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}(1).

ثم تحدّاهم على أن يأتوا بعشر سور مثله، يقول الله تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}(2).

بل تحدّاهم أن يأتوا بسورة مثله فعجزوا، يقول تبارك شأنه:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ}(3)، ويقول في آية أخرى:{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}(4).

وكان تأثير هذه البلاغة والفصاحة سبب في إسلام عمر رضي الله عنه عندما قرأت عليه سورة طه في بيت أخته.

وقد قال الوليد بن المغيرة في القرآن الكريم بعد أن رجع إلى كفار قريش من عند رسول الله ﷺ قولاً بليغًا فقال: «فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني لا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقوله شيئًا من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته»(5).

2-التعرض للغيب كما ورد في سورة الروم، حيث إن المشركين كانوا يجادلون المسلمين في مكة عن انتصار الفرس وهم المجوس على الروم وهم أهل الكتاب، ويقولون أننا سنهزمكم كما هزم المجوسُ الرومَ، فجاء الخبر الإلهي في كتابه، بأن الروم ستنتصر بعد بضع سنوات، وقد تحقق هذا الخبر في أقل من عشر سنوات، وقد فرح المسلمون بذلك الانتصار لأنهم أهل الكتاب، وكان ذلك متزامنًا مع نصر المؤمنين على المشركين في بدر، يقول الله تعالى: {الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}(6).

وكذلك مثل دخول المسلمين مكة بعد أن رجعوا منها، يقول الله تعالى:{لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}(7)، وغيرها من الآيات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الإسراء: 88]

(2) [هود: 13-14]

(3) [يونس: 38]

(4) [البقرة: 23]

(5) أخرجه الحاكم وصححه (2/506، رقم 3872). والبيهقي في الدلائل (2/198).

(6) [الروم: 1-5]

(7) [الفتح: 27]



بحث عن بحث