آداب الإنفاق

1-إخلاص النية لله تعالى:

انطلاقًا من قوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»(1)، فإن إخلاص النية شرط شرعي لأي عمل صالح، فلا يكون الإنفاق على الناس والوقوف على قضاء حوائجهم من باب الشهرة أو الرياء، أو من أجل تحقيق أهداف دنيوية أخرى، بل يجب أن يكون هذا العمل خالصًا لله تعالى، وتطبيقًا وامتثالاً لأمره جل وعلا بالإنفاق في وجوه البرّ المختلفة، وهذه الخطوة الأولى في صحة الإنفاق وقبوله، لقوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(2)، وقوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}(3).بخلاف الذين يفعلون ذلك لمآرب أخرى من أجل الرياء أو الشهرة أو تحقيق مصالح وأهداف ذاتية وغيرها، فإن عملهم لا وزن له عند الله، بل ينقل عليهم عبئًا ووزرًا، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(4).

وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن أول الناس يقضي عليه يوم القيامة ثلاثة » ومنهم: « رجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال جواد، فقد قيل، فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار« (5).

2-أن يكون المال المنفَق حلالاً، فلا يكون مكتسبًا حرامًا، كالربا والغش والسرقة وغيرها، بل يجب أن يكون طيبًا وبالطرق المباحة التي أباحها الشرع، وهي كثيرة جدًا، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله طيب لا يحب إلا طيبًا«(6).

3-الإسرار في عملية الإنفاق، حفاظًا على كرامة الفقير والمحتاج، ودرءًا للرياء، وتربية للنفس، امتثالاً لقوله تعالى:{إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(7).

كما يقول النبي ﷺ عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تدرك شماله ما تنفق يمينه«.

4-أن يخرج المنفق من ماله أجوده وأفضله، فلا يتصدق على الناس بالمال الرديء الذي لا يستفيدون منه، لقوله تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(8)، وقوله جل ثناؤه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}(9).

عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله ﷺ يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}(10)، قام أبو طلحة إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إن الله تعالى أنزل عليك: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب مالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله ﷺ: «بخ! ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين»، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه(11).

5-تجنب المنّ والأذى في الإنفاق، لأن التصدق مع المنّ والأذى دلالة على الامتعاض من أمر الله، لأنه ينفق باستعلاء واستكبار دون أن يرجع فضل النعمة إلى الله تعالى الذي أمره بالسخاء في العطاء، كما أن في المنّ إذلال وإهانة للمسكين، وقد نهى تعالى عن ذلك فقال: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}(12)، وقال أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ}(13)

6-الاعتدال في الإنفاق: إن من أهم مبادئ هذا الدين هو الاعتدال في الأمور كلها، فلا إفراط ولا تفريط، وكذلك الحال بالنسبة إلى الإنفاق، فإن الاعتدال فيه يجعل الحياة متوازنة، ويصل الخير والمنفعة إلى الجميع، بخلاف إذا كان هناك إفراط في النفقة أو التقتير فيها، فإن الحالتين لا تخلوان من السلبيات المختلفة على المنفق والمنفق عليه، بحيث لا يصبح هذا الإنفاق إسرافًا، ولا يمسك عنه حتى يصبح بخلاً وشحًا، وقد أمر الله بالإنفاق المعتدل وأثنى على أصحابه فقال:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}(14).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سبق تخريجه.

(2) [البقرة: 265]

(3) [البقرة: 272]

(4) [البقرة: 264]

(5) أخرجه مسلم (ص852، رقم 1905) كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة.

(6) أخرجه مسلم (ص409، رقم 1015) كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب.

(7) [البقرة: 271]

(8) [آل عمران: 92]

(9) [البقرة: 267]

(10) [آل عمران: 92]

(11) أخرجه البخاري (ص236، رقم 1461) كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب. ومسلم (ص404، رقم 998) كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد ولو كانوا مشركين.

(12) [البقرة: 263]

(13) [البقرة: 264]

(14) [الفرقان: 67]



بحث عن بحث