أنواع الإنفاق

الثاني: الإنفاق المستحب:

وهو الإنفاق في أوجه البرّ المختلفة، ولا يمكن حصرها، لأنها تتعدد بحسب حوائج الناس وافتقارهم إليها، ومن أهم وجوه الخير التي يمكن أن ينفق الإنسان فيها:

1- بناء المساجد التي يجتمع فيها المسلمون في اليوم والليلة خمس مرات على الأقل، وتقام فيها صلاة الجماعة، ويقرأ فيها القرآن، وتقام فيها الخطب والمحاضرات والندوات العلمية، ويلحق الإنفاق ببناء المساجد الإنفاق على القائمين عليها من الأئمة والمؤذنين والإداريين، وحسب المعمّر لبيوت الله قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}(1)، قوله ﷺ: «من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة»(2).

2- الإنفاق على كتاب الله تعالى:  وذلك بطباعته ونشره في العالم، كما هي حال مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، فقد وصل كتاب الله تعالى عبر هذا المجمع إلى أصقاع المعمورة، ومن وجوه الإنفاق على كتاب الله أيضًا إنشاء المعاهد والمدارس الخاصة لحفظ القرآن وتفسيره وعلومه، وكذلك الإنفاق على القائمين عليها وعلى كل ما يخدم هذا الكتاب، يقول عليه الصلاة والسلام: «خيركم من تعلم القرآن وعلّمه»(3).

3- طباعة الكتب النافعة: وهذا باب مستحدث من أبواب الإنفاق في سبيل الله، وذلك حين يبادر المؤمن المقتدر ماليًا على طباعة الكتب العلمية المختلفة التي ترجع بالفائدة على المؤمن في الدنيا والآخرة، سواء كانت في العلوم التطبيقية كالفيزياء والطب والرياضيات وغيرها، أوفي العلوم الشرعية كالعقيدة والفقه وعلوم القرآن والتفسير والسيرة، وذلك من نفقته الخاصة، للأفراد أو للمؤسسات العلمية والتعليمية، لأن كثيرًا ممن لديهم الإمكانات العلمية والدعوية لا يستطيعون القيام بمصاريف الطباعة والنشر لمؤلفاتهم ومصنفاتهم، ويعدّ هذا الفعل من الأعمال الصالحة التي تقرّب صاحبها إلى الله تعالى، لأنه ساهم في نشر العلم والمعرفة بين الناس، الأمر الذي يعرّفهم بالله تعالى، وبحقائق الكون وما فيه من الآيات والنعم، والاستفادة منها للنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.

4- الهدايا والهبات: فقد حثّ الرسول ﷺ على الهدايا والعطايا بين المؤمنين، لأنها نوع من أنواع الإنفاق الذي يؤلّف بين قلوبهم، ويغرس في نفوسهم الحب والرحمة نحو بعضهم البعض، كما ينزع منها البغض والشحناء، فضلاً عما ينال صاحب الهدية من جزاء ومثوبة عند الله، وقد ثبت أن النبي ﷺ كان يحب الهدية ويقبلها ويثيب عليها(4).

5- رعاية الأيام والأرامل، والوقوف على شؤونهم ومراقبة حوائجهم والعمل على قضائها، لأنهم فقدوا معيلهم وهم ضعفاء لا يقدرون على العمل والكسب، لذا حث الشرع على رعايتهم والإنفاق عليهم، وقد أعدّ الله تعالى على ذلك أجرًا عظيمًا، للحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله» ثم يقول أبو هريرة: وأحسبه قال: «وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر»(5).

ويقول عليه الصلاة والسلام: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار إلى السبابة والوسطى»(6).

6- القرض الحسن: وهو إعطاء المؤمن بعض ماله لأخيه المؤمن على سبيل القرض الحسن، ليقضي بها حاجته، على أن يردها إليه في الأجل المتفق عليه، وقد حث الإسلام على هذا الفعل وعدّه من الإنفاق الذي يثاب عليه صاحبها، لقوله تعالى:{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(7).

7- رعاية أهل العلم وطلبة العلم والإنفاق عليهم: إن الإنفاق على العلم الشرعي وطلبته من الأعمال الصالحة التي يؤجر عليها صاحبه، وذلك بدعم مراكز التعليم والإنفاق على مرافقها وأدواتها التعليمة، وكذلك القائمين عليها من المشرفين وأهل العلم، وكذلك الإنفاق على طلبة العلم الذين هم أحوج الناس إلى المساعدة والإنفاق، لأن كثيرًا منهم يقطعون المسافات البعيدة، ويصرفون ما لديهم من مال من أجل الوصول إلى البلد الذي يتعلمون فيه، فيكون حاجتهم ماسة إلى السكن والمأكل والملبس وكذلك لوازم التعليم من القراطيس والكتب وغيرها، وكل ذلك لا يتوفر إلا بالدعم المالي لهم.

8- رعاية المرضى ومداواتهم، من خلال تأمين العلاج لهم سواء العقاقير أو التبرع بشراء أجهزة طبية ووضعها في المستشفيات تحت إشراف مختصين أمناء، كأجهزة غسيل الكلى والعناية المركزة، وغيرها، لا سيما في الوقت الحاضر الذي تعددت فيه الأمراض المعضلة والمزمنة، والتي يقابلها التكاليف الباهظة للعلاج أو التخفيف من وطأة المرض، الأمر الذي يخفف المعاناة النفسية عن المريض أيضًا حين يتعالج مجانًا أو بأجور رمزية، والله تعالى يقول: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}(8). ويقول عليه الصلاة والسلام: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة«(9).

9- سداد الديون عن المدينين المعسرين، لا سيما الذين أودعوا السجن، فإن قضاء الدَّين عنهم وإخراجهم من ظلمات السجن وإرجاعهم إلى أهلهم وأولادهم من أكبر الأعمال والقربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: «من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه«(10).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [التوبة: 18]

(2) أخرجه البخاري (ص78، رقم 450) كتاب الصلاة، باب من بنى مسجدًا. ومسلم (ص216، رقم 533) كتاب المساجد، باب فضل بناء المساجد.

(3) أخرجه البخاري (ص901، رقم 5027) كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه.

(4) انظر: صحيح البخاري (ص416، رقم 2577) كتاب الهبة، باب من قبل الهدية.

(5) أخرجه البخاري (ص956، رقم 5353) كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل. ومسلم (ص1290، رقم 2982) كتاب الزهد، باب فضل الإحسان إلى الأرملة.

(6) أخرجه البخاري (ص912، رقم 5104) كتاب النكاح، باب شهادة المرضعة.

(7) [البقرة: 245]

(8) [المائدة: 32]

(9) أخرجه مسلم (ص1172، رقم 2699) كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الإجماع على قراءة القرآن.

(10) المصدر السابق.



بحث عن بحث