أنواع الإنفاق

الإنفاق المشروع نوعان، الإنفاق الواجب والإنفاق المستحب:

الأول: الإنفاق الواجب:

وفيما يلي بعض وجوه الإنفاق الواجب:

1-الإنفاق على الوالدين: في حالات العسر واليسر، فلا يسقط هذا الواجب بيسر حالهما أو غناهما، لأن الأصل في مال الولد أنه للوالد، لقوله ﷺ لأحد الصحابة: «أنت ومالك لأبيك»(1)، كما أخبر عليه الصلاة والسلام بأولوية من يُنفق عليهم من الناس الوالدين، فعن كليب بن منفعة الحنفي عن جده أنه أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله من أبرّ قال: «أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك، حقًا واجبًا ورحمًا موصولة»(2).

2-الإنفاق على الزوجة: حيث إن المرأة إذا خرجت من بيت أبيها فإن نفقتها تنتقل إلى زوجها، في الملبس والمأكل والمسكن، والعطايا الأخرى، لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ}(3).

وقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام أعظم النفقة أجرًا تلك التي ينفقها الرجل على أهل بيته، فقال: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك»(4).

3-الإنفاق على الأولاد: في مجالات الحياة المهمة، التي تتكون من خلالها شخصية الأبناء والبنات على أسس سليمة، وتنمّي المهارات والمواهب لديهم، ليكونوا لبنات صالحة في بناء المجتمع ورقيه وتقدمه، لا سيما في هذا العصر الذي تنوعت فيه العلوم والتخصصات، وتطورت آليات التحصيل المعرفي، وتوسعت فيه آفاق الأولاد والبنات في هذا الفضاء العلمي الواسع في السنين المبكرة من أعمارهم، الأمر الذي يفرض على الآباء الإنفاق على أولادهم حتى لا يتأخروا عن الركب الحضاري، ولكن في حدود ضوابط الشرع وأحكامه، يقول عليه الصلاة والسلام: «أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله»(5).

4-الإنفاق على من تحت ولايته: من الخدم والعمال وغيرهم، فعن عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله هل لي أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بني؟ فقال: «نعم لك أجر ما أنفقت عليهم»(6).

ولا بد هنا من الإشارة إلى شناعة الفعل وعظم الإثم للذين يخالفون أمر رسول الله ﷺ ووصيته نحو الخدم والعمال وكل من يعملون تحت أيديهم، فلا يعطونهم أجورهم، أو يتأخرون فيها أو ينقصون منها، أو يبخلون عليهم بالطعام أو يسكنونهم في أماكن لا تليق بالإنسان الذي كرّمه الله، يقول عليه الصلاة والسلام: «كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته»(7).

6-الإنفاق في الزكاة: فالزكاة هي فريضة مالية فرضها الله تعالى للفقراء في أموال الأغنياء، وهي ركن من أركان الإسلام، وهي ليست إحسانًا أو منّة يتفضل بها المؤمن على أخيه المحتاج، وقد كثرت الأدلة من الكتاب والسنة على هذه الفريضة، يقول تبارك وتعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(8)، ويقول جل شأنه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}(9).

ويقول عليه الصلاة والسلام في وصيته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب«

كما توعد الله تعالى مانعي الزكاة بالعقوبة والعذاب فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}(10)

ويقول عليه الصلاة والسلام: «من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه يعني بشدقيه ثم يقول‏:‏ أنا مالك أنا كنزك«(11)، وأما مصارف الزكاة فقد حددتها الآية الكريمة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(12).

7-ويلحق بالزكاة زكاة الفطر من حيث الوجوب، يقول ابن عمر رضي الله عنهما: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»(13).

كما يلحق بالإنفاق الواجب بعض المجالات الأخرى، كالأضحية والعقيقة والكفارات والنذور وغيرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه ابن ماجه (ص328، رقم 2291) كتاب التجارات، باب ما للرجل من مال ولده. وأحمد (2/204، رقم 6902). وابن حبان (2/1420، رقم 410). والحديث حسن بشواهده.

(2) أخرجه أبو داود (ص722، رقم 5140) كتاب الأدب، باب بر الوالدين. والنسائي (ص350، رقم 33) كتاب الزكاة، باب أيتها اليد العليا. وهو حديث صحيح.

(3) [البقرة: 232]

(4) أخرجه مسلم (ص403، رقم 995) كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال والمملوك.

(5) أخرجه مسلم (ص403، رقم 994) كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال.

(6) أخرجه البخاري (ص238، رقم 1467) كتاب الزكاة، باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر. ومسلم (ص405، رقم 1001) كتاب الزكاة. باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين.

(7) أخرجه مسلم (ص403، رقم 996) كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال والمملوكة وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم.

(8) [النور: 56]

(9) [البقرة: 43]

(10) [التوبة: 34-35]

(11) رواه البخاري، برقم، ص.

(12) [التوبة: 60]

(13) أخرجه البخاري (ص226، رقم 1403) كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة



بحث عن بحث