آثار الصلاة

للصلاة آثار إيجابية عظيمة في حياة المؤمن يلمسها حين يؤديها بأركانها وشروطها، وبالصورة التي كانت يؤديها رسول الله ﷺ، فضلاً عن الآثار الأخروية التي يلقاها المؤمن عند ربه يوم القيامة، ومن تلك الآثار:

1-إن الصلاة من الأعمال التي ترفع درجات المصلي وتزيد من حسناته، كما تكفر عنه السيئات والذنوب التي يقترفها في حياته اليومية، يقول تبارك وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ}(1).

وعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « ما من امرئ مسلم تحضره صلاةٌ مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها؛ إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم تؤتَ كبيرة، وذلك الدهر كله«(2).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « سمعت رسول الله ﷺ يقول: أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم، يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا«(3).

2-إن الصلاة التي هي الصلة بين العبد وربه، تزيد من تعلق هذا العبد بربه، لأنه يقف بين يديه في اليوم خمس مرات على الأقل، يثني عليه ويحمده ويعظمه ويستعين به، ويطلب منه الفوز والنجاة، فيستجيب الله تعالى له ويمنحه ما يريد، وهذا ما يؤكده حديث أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال: سمعت رسول الله ﷺ: «قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى: حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال مالك يوم الدين. قال: مجّدني عبدي وقال مرة: فوض إلي عبدي. فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل«(4).

3-إن الصلاة تدفع الإنسان لفعل الخير والعمل الصالح، وتجنبه سبل الغواية والمعاصي، يقول تبارك وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}(5). ويقول جل ذكره: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}(6).

4-إن الصلاة تحفظ المسلم وتحميه من شرور الجن والإنس بسبب ما تنزل عليه من الرحمة والمغفرة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله»(7).

5-المحافظة على الصلاة وإقامتها عامل كبير في جلب الرزق والعيش الرغيد، لقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ}(8).

6-الصلاة في أوقاتها الخمسة تنظم حياة المسلم في ليله ونهاره، حيث يصبح لديه برنامج واضح يسير عليه وفق التقسيمات التي حددها الشرع لأوقات الصلاة، يقول تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}(9)، فيرتب وضعه وينظم حاله وفق هذا الجدول الزمني الذي حدده الله تعالى، ما بين عمل دنيوي يساهم من خلاله في عمارة الكون وتحقيق ما ينفع نفسه ومجتمعه وأمته، وبين ما يشده إلى الآخرة من خلال هذه الصلوات التي تفصل بين الواحدة والأخرى فترة زمنية محددة، ليتخلص من أعباء الحياة وتعبها ونصبها، فيقف بين يدي خالقه مجددًا عهده وولاءه وثباته على هذا الدين، ليرجع من جديد إلى عمارة الأرض ونشر الخير بين الناس.

وفي هذا استشعار بقيمة الزمن، الذي يُسأل عنه الإنسان يوم القيامة، لأن تركه وعدم الاستفادة منه يؤدي إلى التخلف والفساد والجريمة، بل سيكون وبالاً على صاحبه إذا لم يستغله بما أمر الله به، وهو معنى قوله ﷺ: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه«(10).

7-الصلاة تحافظ على أمن المجتمع واستقراره، وتقلل من نسبة الجرائم والجنايات بين أبنائه، لقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}(11)، وقد جاء الاقتران بين الأمر بالصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وصية لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}(12). فهذه الآيات تدل صراحة أن هناك علاقة متلازمة بين إقامة الصلاة واجتناب المنكرات التي تشمل كل أنواع المعاصي والمفاسد التي تخل باستقرار الإنسان ومجتمعه.

كما أن الصلاة تُجَمّعُ الناس في اليوم والليلة خمس مرات، وفي الأسبوع مرة في صلاة الجمعة، يقفون جميعهم بين يدي خالقهم متكاتفين متراصين، يجددون معًا العهود والمواثيق مع هذا الخالق، ويجددون العهد فيما بينهم، ويتعرفون على أحوالهم وحاجاتهم، فتزيد صلتهم ورحمة بعضهم ببعض، وغيرها من التبعات والفوائد الاجتماعية الأخرى التي تفرزها هذه الصلاة بين المسلمين، وهي من الأسباب التي ترجح كفة الأمن والاستقرار على كفة الجريمة والفساد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [هود: 118]

(2) أخرجه مسلم (ص167، رقم 878) كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة بعدها.

(3) أخرجه البخاري (ص90، رقم 528) كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة.

(4) أخرجه مسلم (ص167، رقم 395) كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة.

(5) [العنكبوت: 45]

(6) [الأعراف: 170]

(7) أخرجه مسلم (ص265، رقم 1493) كتاب المساجد، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة.

(8) [طه: 132]

(9) [النساء: 103]

(10) سبق تخريجه.

(11) [العنكبوت: 45]

(12) [لقمان: 17]



بحث عن بحث