آثار عبودية السرّاء والضراء

إن من أهم الآثار والنتائج الإيجابية التي يخرج بها العبد المؤمن حال عبوديته لله سبحانه وتعالى في كلا الحالين، ما يلي:

1- إن الله تعالى يجزي الشاكرين في السرّاء بالأجر العظيم والزيادة في الأرزاق والنِّعم المختلفة، لأنهم لم يغفلوا عن شكر الله بالقول والعمل إزاء ما أغدق عليهم من المتاع والطيبات، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}(1)، وقال أيضًا: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}(2).

2- إن الصبر على الضرّاء، والرضى لأمر الله تعالى من أسباب العفو والمغفرة والثواب الجزيل، لقوله تعالى:  يقول الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}(3).

ويقول عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها«(4).

3- الشعور بالرضى والقرب من الله عز وجل، حيث يحس العبد الشاكر أن الله عز وجل خصّه بكرمه فيقبل عليه بالتوبة والاستغفار والثناء عليه سبحانه بما هو أهله، وينال راحة نفسية عظيمة، ثم إنه يبادر إلى من حوله فيحسن إليهم شكرًا لله الذي أحسن إليه ويبذل جهده في إدخال السرور إلى قلوبهم كما أدخل الله المسرة إلى قلبه فتحصل بذلك الفائدة لمجتمعه وتزداد عرى الترابط بينه وبين من أحسن إليهم، فإن فعل ذلك زاده الله من نعمه وأسبغها عليه ظاهرة وباطنة.

4- إن عبودية السرّاء والضرّاء تدخل السكينة والطمأنينة في نفس العبد، لأنه لم يصبه الغرور والتكبر حين أنعم الله تعالى عليه بالنعم المختلفة، ولم ينس أن يرجع ذلك كله لله تعالى، فبقيت نفسه مطمئنة وسليمة من الكبر والاستعلاء.

كما أنه لم يتأفف عند الضرّاء من حاله وما أصابه من البلاء، بل رضي بقضاء الله تعالى، وعَلِم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن الله تعالى قد أعدّ له من الأجر والثواب على صبره وثباته، وبالتالي تغتسل نفسه من آفة الحسد والحقد على الآخرين.

5- إن عبودية السرّاء والضراء تبني شخصية الإنسان بناء متينًا، حيث يتطلع في حالتي السراء والضراء إلى الحياة بنظرة إيجابية، فلا يغريه المتاع عن العمل والإنتاج، كما لا تحبطه المصائب والشدائد عن مواصلة الطريق وتجاوز الصعاب للوصول إلى تحقيق الأهداف الممكنة بالوسائل المتاحة.

6- إن عبودية السرّاء والضرّاء يساهم كثيرًا في توفير الأمن والاستقرار داخل المجتمع، لأن المنعم عليه بالمال والصحة والإمكانات لا يترك إخوانه الضعفاء ضحية للفقر والبطالة والجهل، بل إنه من منطلق العبودية لله تعالى يمدّهم بجميع أشكال المساعدات سواء بالإنفاق عليهم، أو إيجاد فرص العمل لهم، وغير ذلك من الأمور التي تخرج الغل والكراهية من نفوس المحرومين.

وفي الجانب الآخر فإن المصاب بالضرّاء يؤمن بقضاء الله تعالى وقدره، ويتفاعل مع حقيقة البلاء بإيمانه بالجزاء المدّخر عند الله تعالى، فإنه لا يحمل في نفسه حقدًا أو ضغينة على أحد، إضافة إلى ما يجده من المتنعم عليه من التعاون والتكافل معه، كل ذلك يساهم في استقرار حال المجتمع وسلامته من عوامل الجريمة والفساد.

*     *     *

كانت تلك جولة سريعة مع عبودية السراء والضراء، والتي هي جزء من العبودية العامة التي أشار إليها الله جلّ وعلا بقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(5).

والكيّس العاقل من يجعل الأحوال التي يمر بها والظروف التي تعترضه في الحياة ساحة للعبادة وميدانًا لطاعة الله تعالى، ليس في حالات الشدة والرخاء فحسب، بل إنه يستطيع أن يجعل من كل عمل مباح عبادة وتقربًا إلى الله حين يحتسب ويخلص النية له جل وعلا، فيصبح تناول الطعام عبادة، والنوم عبادة، والرياضة عبادة، والدراسة عبادة وهكذا، حتى تصبح كل حركة وسكنة تصدر منه عبادة يؤجر عليها، وبذلك يؤدي العبد رسالته في الحياة، ويصل إلى الغاية التي خُلق من أجلها وهي عبادة الله وحده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [إبراهيم: 7]

(2) [آل عمران: 145]

(3) [الزمر: 10]

(4) سبق تخريجه.

(5) [الذاريات: 56]



بحث عن بحث