كيف تتحقق عبودية السراء؟

3- الصحة والعافية:

تتمثل العبودية في هذا النوع من السرّاء في الحمد والشكر لله تعالى على القوة والعافية وترجمة ذلك على الواقع وذلك بالإكثار من الطاعات والعبادات، والمحافظة على الفروض والواجبات، وأدائها في أوقاتها كما يريده الله تعالى، لذا ينبغي الاستفادة من أطوار القوة والعافية التي تمر على الإنسان وتسخيرها في سبيل الله وفي وجوه الخير المختلفة، وعدم الإفراط بها في المعصية والإفساد في الأرض، لأن غياب الصحة والعافية بعد ذلك تحرمه من بعض العبادات والأعمال الصالحة التي كان بإمكانه القيام بها وقت الصحة والنشاط، مثل أداء نسك الحج، وصيام رمضان، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها.

وقد أوصى النبي عليه الصلاة والسلام الأمة على استثمار الصحة والعافية بالعبادة والبناء قبل زوالها فقال: «اغتنم خمسًا قبل خمس:.. وصحتك قبل سقمك«(1).

فكم من مريض وضعيف يتمنى لو عادت له عافيته ليقدم بعض الأعمال الصالحة بين يدي الله تعالى، فيصلي صلاة الجماعة في المسجد، أو يحج ويعتمر، أو يخرج إلى الناس ليقضي حوائجهم ويعين ضعيفهم، ولكن المرض والضعف والوهن يحول دون ذلك.

4- المال:

وتتمثل العبودية هنا في إخراج حق الله من المال بالزكاة، لقوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(2)، وكذلك الإكثار من الإنفاق والتبرعات في وجوه الخير المختلفة، كالإنفاق على المساكين والمحتاجين ودعم المؤسسات الخيرية، ودُور تحفيظ القرآن، وبناء المساجد والمدارس، وتسديد الديون عن المعسرين وغير ذلك من الأعمال المالية الخيرية، قال تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(3).

ويُخشى من الإفراط في هذه العبودية يعني حلول غضب الله تعالى وعذابه على المفرط، يقول عليه الصلاة والسلام: «من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه يعني بشدقيه ثم يقول‏:‏ أنا مالك أنا كنزك«(4).

5- الفراغ:

كما تتحقق العبودية في هذا النوع من السرّاء من خلال استثماره فيما يرضي الله تعالى من العبادات والأعمال الصالحة، وإشغال الفراغ وملئه بالعمل والجدّ والإنتاج والإبداع، فهذا حق الوقت الذي كرّمه الله تعالى وجعل له شأنه عظيمًا، حيث أقسم به في سورة العصر فقال: {وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(5).

لذا؛ فإن الله تعالى يحاسب العبد على الأوقات التي قضى بها عمره وكيفيتها، هل قضاها في الخير أم في الشر؟ يقول البي عليه الصلاة والسلام: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه«(6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه النسائي في السنن الكبرى (10/400، رقم 1183). والحاكم في المستدرك (4/341، رقم 7846). قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الذهبي.

(2) [النور: 56]

(3) [التوبة: 60]

(4) أخرجه البخاري (ص226، رقم 1403) كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة.

(5) [النساء: 103]

(6) أخرجه الترمذي (ص550-551، رقم 2417) كتاب صفة القيامة، باب في القيامة. قال الترمذي: حسن صحيح.



بحث عن بحث