آثار الإيمان بالقضاء والقدر

5- كما أن الإيمان بالقضاء والقدر يولد في نفس صاحبه الطمأنينة والرضا، ويبعد عنها القلق والاكتئاب وسائر الأمراض النفسية، لأن ما يصيب المؤمن لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وبهذا القناعة يتولد عند المؤمن طمأنينة وراحة، لأنه عالم بأن الله الذي ابتلاه أو أنعم عليه، هو أرحم به من نفسه ومن والديه ومن في الأرض جميعًا، فما قدّره هذا الخالق هو خير وإن كان ظاهره التعب والنصب والألم، وهو ما عبّر عنه رسول الله ﷺ بقوله: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له«(1).

فالراحة والهدوء النفسي دأب المؤمن في السراء والضراء، وفي الحل والترحال، وفي كل زمان ومكان، لأن هذه النفس قد ارتبطت بوشائج قوية وحبال متينة مع الله تعالى الذي خلق كل شيء وقدّره تقديرًا، فإذا ارتقى العبد إلى هذه الدرجة من اليقين، أزال الله تعالى عنه الكربات النفسية وجميع الاضطرابات والانفعالات والتشجنات، وأبدلها برَوْح من عنده جل وعلا، بل إنه جلّت قدرته، يحوّل نفس هذا المؤمن إلى روضة إيمانية تتجمع فيها ألوان الرياحين والزهور، وتنفث عنها خبث الشياطين من القلق والكآبة واليأس.

6- الإيمان بالقضاء والقدر يغني الإنسان عن سؤال الناس والتعلق بهم في قضاء الحوائج وطلب المنافع ودفع الأضرار، لأن ما كتبه الله تعالى واقع لا محال، والقدر يزرع في نفس صاحبه اللجوء إلى الله وحده في الشكوى وطلب الرزق والتوفيق والسداد والهداية وغيرها، لأنها من الأمور التي تديرها الإرادة الإلهية، وليس للبشر فيها حول ولا قوة، وهذا يعني أن الإنسان لا يكلف نفسه فوق طاقتها أو يمدّ يديه في كل شيء إلى المخلوقات لقضاء حوائجه، فالله تعالى الذي خلق الخلق تكلف بأرزاقهم ومعاشهم وهدايتهم إن هم اتبعوا أوامره وأخذوا بالأسباب التي توصل إلى ذلك، ويكفي في هذا الباب ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام حين وصّى ابن عباس رضي الله عنه وهو غلام صغير: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف«(2).

7- وأخيرًا فإن للإيمان بالقدر منفعة شاملة تعم المجتمع بكل أطيافه وشرائحه، لأن أبناءه تقبلوا أمر الله تعالى ورضوا بما كتب لهم من النعم وضدِّها، فكلُّها خير لأنها من منه جلّ وعلا، وبذلك تصفى نفوسهم وتتلاشى الأحقاد والضغائن بين فقيرهم وغنيهم وصحيحهم وسقيمهم، وهكذا.

*     *     *

هذا وإن ضعْف الإيمان بالقضاء والقدر يؤدي إلى أضرار ونتائج سلبية عظيمة بخلاف هذه الآثار الإيجابية، وعلى رأسها: القلق والاضطراب وبخاصة من المستقبل، وحال الشدائد، وعدم الراحة والطمأنينة، لأن النفس غير مستقرّة فيظهر هذا على جوارح الإنسان، ومن ثم يتعرض للأمراض النفسية والعضوية وغيرها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه مسلم (ص1295، 7500) كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير.

(2) أخرجه الترمذي (ص572، رقم 2516) كتاب صفة القيامة، باب قول النبي ﷺ: يا حنظلة، ساعة وساعة. وأحمد (1/293، رقم 2669). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.



بحث عن بحث