آثار الإيمان بالقضاء والقدر

للإيمان بالقضاء والقدر ثمرات وآثار عظيمة على الإنسان في نفسه وجوارحه، بل على مسيرته في الحياة ونتاجه فيها، ولا يمكن حصر جميع الثمرات والآثار لأن جلّ أعمال المؤمن الصادق مرتبطة بمدى إيمانه بالقدر وقبوله لأمر الله في السراء والضراء، لذا نذكر بعض الثمرات الجامعة التي ينطوي تحتها سائر الثمرات، وهي:

1- تحقيق العبودية لله تعالى وحده، والخلاص من الشرك بكل أنواعه وألوانه، فالمؤمن بقضاء الله تعالى وقدره يعلم يقينًا أن كل شيء من عند الله تعالى وبإرادته، فلا حول ولا قوة لغيره - جل ثناؤه - من المخلوقات الأخرى من بشر أو حجر أو شجر أو دواب، وبذلك تصفى عقيدة المؤمن من شوائب الشرك ووسائله.

2- الإيمان بالقدر يكسب صاحبه الشجاعة والجرأة في الحق من غير خوف أو تردد، وهذا كان دأب خير القرون ومن تبعهم من سلف هذه الأمة رضوان الله عليهم، حيث لم تأخذهم في الله لومة لائم، وما استطاع صناديد الكفر من العرب والفرس والروم أن يثنوا من عزائمهم أو يخبوا شعلة الإيمان في نفوسهم، فاستذلوا الصعاب وتجاوزوا الخطوب من أجل نشر هذا الدين وتبليغه للعالمين، رغم أنهم دفعوا ثمن ذلك أرواحهم وأموالهم وأولادهم، ولكن الله تعالى حقق لهم النصر والتمكين في الدنيا، والفوز والنعيم في الآخرة.

3- الإيمان بالقدر يكسب صاحبه فضيلة الصبر وقوة التحمل على المصائب والنوازل، لأنه يعلم أن ما قدره الله عليه هو خير له عند الله تعالى وإن لم يتحسسه عاجلاً، فإيمانه بقدر الله وقضائه يزوده بزاد الصبر الذي حث الله عليه، وجعله من معالي الأمور، ورتّب تبارك وتعالى على هذه الفضيلة ثمرات عظيمة ويافعة في نفسه وأهله ومجتمعه، فضلاً عن الجزاء الأوفى الذي ادخره له يوم القيامة، يقول جل ذكره: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(1).

4- الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره يعطي لصاحبه قوة واندفاعًا نحو الأمام ويجعله عنصرًا متحركًا نحو الخير أينما حلّ وارتحل، فهو يعيش في تفاؤل دائم وأمل مستمر مع الله تعالى، لأنه يعلم أن ما قدّره الله تعالى لا يمكن تبديله أو تغييره ما دام قد وقع وصارًا أمرًا مفروضًا، فلا مكان حينها للقنوط واليأس والتحسر، وكانت هذه حال الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم، فهذا نبي الله يوسف عليه السلام، يحكم عليه بالسجن بضع سنين ظلمًا، ولكنه لم ييأس من روح الله تعالى، فلم تؤثر ظلمات السجن على مسار حياته الدعوية، بل كان السجن ميدانًا للدعوة إلى الله حين قال لصاحبيه:{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}(2).

وهذا نبي الله موسى عليه السلام وهو في المهجر وفي حالة الخوف والهلع من قومه، يرى ظلمًا واقعًا على امرأتين عند السقاء، فلم تشغله هجرته وغربته عن الحق في نصرتهما، يقول تبارك وتعالى:{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ . فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}(3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 156]

(2) [يوسف: 39]

(3) [القصص: 23-24]



بحث عن بحث