علاج التشاؤم

تبيّن لنا من خلال ما سبق أن التشاؤم مرض نفسي ناجم عن مجموعة عوامل تؤول جميعها إلى خلل في علاقة الإنسان بربه وانقطاع وغفلة عن موارد القوة التي تعين المتشائم على الخروج من أزمته، ومن أهم العلاجات التي تعيد المتشائم إلى حالته الطبيعية بل تجعله دائم التفاؤل ما يلي:

1-تقوى الله تعالى في السر والعلن، وذلك بامتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه، حتى تنفرح الأزمات وتذلل الصعاب ويجعل الله بعد كل ضيق فرجًا ومخرجًا، يقول تبارك وتعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}(1)، ويقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}(2)

2-الإيمان بقدر الله تعالى خيره وشره، وعدم التضجر والتملل من أمر الله، فما يدري الإنسان مكامن الخير والشر، فربما يرى الشر في شيء وهو خير له وربما يرى الخير في آخر ويكون الشر بعينه، يقول تبارك وتعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(3)

وصدق الشاعر حين قال:

ولا تبيتنّ إلا خالي البال *** يبدِّل الله من حال إلى حال

دع المقادير تجري في أعنتها *** ما بين غمضة عين وانتباهتها

3-كثرة ذكر الله تعالى وحمده واسترجاعه والثناء عليه، خاصة حين يوسوس الشيطان للإنسان بأسباب التشاؤم واليأس، بل إن ذكر الله تعالى يحوّل اضطراب النفس وقلقه إلى روضة من الأمان والسكينة، يقول تبارك وتعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(4) فإن الله تعالى يتولى عباده ويحميهم من نزغات الشياطين وهمزاتهم إذا لجأوا إليه، ولن يجعل للشياطين عليهم سبيلا، يقول تبارك وتعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}(5)، ويقول: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(6)

4-الصبر والاحتساب أمام المشقات المختلفة التي يتعرض لها الإنسان في رحلة الحياة، والتي تُعدّ بمثابة محطات اختبارية لتكوين شخصية الإنسان الناجح وصناعة التفاؤل عنده، وهو زاد المؤمنين وسلاح الناجحين والمتفوقين، لما يترتب عليه من خير في الدنيا وفلاح ونجاة في الآخرة، يقول تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(7)

5-الثقة بالله سبحانه وتعالى وحسن الظن به، وأنه الرحمن الرحيم بعباده، كل ذلك يصنع التفاؤل عند الإنسان ويحرره من أغلال التشاؤم والنظرة السوداء إلى المحيط الخارجي، والله تعالى عند حسن ظن عبده به، قال عليه الصلاة والسلام: «يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ هم خير منهم، وإن تقرب مني شبرًا تقربت إليه ذراعًا وإن تقرَّبَ إلي ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة«(8).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الطلاق: 2]

(2) [الطلاق: 4]

(3) [البقرة: 216]

(4) [الرعد: 28]

(5) [الحجر: 42]

(6) [فصلت: 36]

(7) [البقرة: 155-156]

(8) أخرجه البخاري (ص1273، رقم 7405) كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} ومسلم (ص1166، رقم 575) كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله.



بحث عن بحث