آثار الصبر على النفس والسلوك

6-الصبر يهذّب سلوك المؤمن وأخلاقه، فتسمو روح صاحبه ويصبح في العليين وهو في دار الدنيا، فحينما يصوم مثلاً يقاوم شهوة الطعام والشراب والجنس، ويحفظ لسانه عن أعراض الناس أو الخوض في محارم الله، فيترفع عن تلك الغرائز بنفس راضية وطائعة لأمر الله تعالى وحكمه، وكذلك حين يقوم هذا المؤمن الصابر بأداء فريضة الحج، فإنه يصبر على تعب الأسفار وخطورتها، ويصبر على فراق الأهل والأولاد والديار، وإذا وصل المشاعر يضبط نفسه عن أذى الحجاج والجدل معهم في غير هدف وغاية، بل إنه يتحمل الأذى منهم ويغفر لهم زلاتهم وأخطاءهم نحوه، ويعينهم ويساعدهم إذا رأى منه حاجة، كل ذلك لينال رضى الله تعالى الذي أمره بالصبر والتحمل عند أداء هذا المنسك العظيم، وهكذا حال المؤمن الصابر في كل الميادين التعبدية والمعيشية، فيكون مثلاً يحتذى به في الخلق والأدب والوقار

7- الصبر يرفع من منزلة صاحبه ودرجته عند خالقه جلّ وعلا، ويكفّر عنه سيئاته وذنوبه، فضلاً عن الجزاء الأوفى الذي ينتظره يوم القيامة، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في مواطن كثيرة في كتابه العزيز، كقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ}(1)والأجر يكون في الدنيا والآخرة.

وقال عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع، من حيث أتتها الريح كفأتها، فإذا اعتدلت تكفأ بالبلاء، والفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء«(2)

ويقول ﷺ: «من وعك ليلة فصبر ورضي بها عن الله؛ خرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه»(3). وغيرها من الآيات والأحاديث التي تحمل المعنى نفسه.

8-الصبر هو مفتاح النصر والظفر على الأعداء، وهو سلاح المؤمن في مسيرته الدعوية وكذلك في ساحات الوغى عند لقاء الأعداء ومقارعتهم، ولن تنتصر أمة من غير صبر ومصابرة، ولن تتمكن من خصومها والتفوق عليهم فكريًا وعسكريًا واقتصاديًا ما لم تكن صابرة، يقول تبارك وتعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}(4)ولعل الصبر كان أحد الأسباب التي مكّنت المسلمين من نشر دينهم في شتى أصقاع المعمورة وفتح بلادها شرقًا وغربًا، وهو تصديق قوله تعالى: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(5).

وهناك تأكيد من رب العالمين لعباده المؤمنين الصابرين والمخلصين، بأنه جل شأنه ناصرهم ومؤيدهم بالملائكة عند مقارعة ومواجهة الكفر والشرك، حيث قال: {بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}(6).

ومن الانتصار بالصبر أيضًا: الانتصار على وساوس الشيطان، حيث يجد المبتلى الصابر آفاقًا رحبة في نفسه فيرى المستقبل أمامه أملاً وبياضًا لثقته وحسن ظنه بالله تعالى، وبذلك ينحسر بلاؤه ومرضه فلا يزداد عليه ولا يتطور، بل وينحسر حينها الشيطان وتُشلّ وساوسه وتُدحر، بعكس المبتلى الذي يكثر الشكوى والجزع فلا يزيده ذلك إلا طولاً في مدة البلاء وزيادة فيه.

9- الصبر يُكسب صاحبه الخيرية التي أشار إليها رسول الله ﷺ في حديث هذا البحث «وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»، وبذلك يصبح الصابر من الخيِّرين ويصبح جزءًا من أمة الخير التي أشار إليه الله تعالى بقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، وهذا مكسب عظيم ومنال كبير لا يتحقق ولا يحصل إلا للمؤمن الصابر لأمر الله تعالى.

10-الصبر يخفف من وطأة الكربات ويقرِّب الفرج بعدها، ويجعل بعد كل عسر يسرًا، تصديقًا لقوله ﷺ: «وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب«(7).

وكما قال الشاعر:

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها                فرجــت وكنــت أظنهــا لا تفـرج

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الزمر: 10]

(2) أخرجه البخاري (ص1003، رقم 5667) كتاب الطب، باب ما جاء في كفارة المرض. ومسلم (ص1223، رقم 2810) كتاب صفات المنافقين، باب مثل المؤمن كالخامة من الزرع.

(3) أخرجه البخاري في الموضع السابق

(4) [البقرة: 264]

(5) [الأعراف: 128]

(6) [آل عمران: 125]

(7) أخرجه أحمد (2/307، رقم 2804). والحاكم في المسند (3/624). وهو حديث صحيح.



بحث عن بحث