آثار التوكل على الله:

إن التوكل على الله تعالى بالمنهج الصحيح يعطي نتائج وآثارًا إيجابية، تعود بالنفع والفوز للمتوكل في الدنيا والآخرة، ومن أبرز هذه الآثار ما يلي:

1 – دخول الجنة:

إن التوكل على الله تعالى من خلال مفهومه الصحيح سبب في دخول الجنة والفوز برضى الله تعالى والقرب منه، وقد سبق الإشارة إلى الآيات القرآنية الدالة على ذلك، إلا أن رسول الله ﷺ أكدّ هذه الحقيقة بقوله: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب. قالوا: ومن هم يا رسول الله قال: هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون» (1).

2 – النجاة من المهالك والشرور:

ومن آثار التوكل على الله تعالى في الدنيا أنه ينجي صاحبه من  شرور الأعداء ومكائدهم، وقد تكفّل الله تعالى بهذه الحماية في قوله جل ثناؤه: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}(2)، وقد ظهرت هذه الحقيقة، مع نبي الله إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار، وحين قيل لرسول الله ﷺ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، بل إن نتيجة تلك المعاناة والصعاب التي لقيها الرسول ﷺ مع صحابته أثمرت وأينعت حين توكلوا على الله تعالى، حيث تحولت تلك المعاناة بفضل عقيدة التوكل إلى فتح وظفر ونشر للإسلام في الجزيرة العربية، ومن ثم في أرجاء المعمورة. 

3 – الطمأنينة النفسية:

بالتوكل على الله تعالى تهدأ النفس وتطمئن بالسكينة المنزلة عليها من بارئها، حين فوّضت أمورها وشؤونها إليه، يقول تبارك وتعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}(3) أي أن الله تعالى يكفي عبده المتوكل عليه الهمّ والحزن والقلق والاضطراب، كما في قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}(4)، ليس هذا فحسب؛ بل يجعله يعيش في ذروة السعادة النفسية في جميع أحواله، في السراء والضراء، وفي المنشط والمكره، وفي السر والعلن، لأنه على قناعة تامة أن الذي خلقه تكفل بكل حاجاته، وأنه أرحم به من الخلق جميعًا، ومن هذا المنطلق تعجب الرسول عليه الصلاة والسلام لأمر المؤمن الذي إذا أصابه سرّاء شكر الله تعالى وإن أصابته ضرّاء صبر عليها.

4 – الوقاية من شرور الشياطين وهمزاتهم:

إن شرور الشياطين لا تدع الناس في راحة وهناء، ولكن المؤمن المتوكل على الله تعالى يتغلب عليها حين يسلم أمره لله تعالى ويستعين به، يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي»(5). فالتوكل على الله تعالى يقهر الشياطين ويدحرهم ويرد عليهم نزغاتهم وهمزاتهم.

5 – الإيجابية والإنتاج:

ومن آثار التوكل على الله تعالى تكوين الإنسان الإيجابي في الحياة، من خلال جانبين مهمين هما: الجانب السلوكي الذي يتعامل فيه مع الآخرين بأخلاقه الإسلامية العالية، باللين والتسامح وحب الهداية والخير لهم، وهو الجانب الذي حث عليه رسول الله ﷺ بقوله: «حرم على النار كل هيّن ليّن سهل قريب من الناس» (6). وقوله: «إن خياركم أحسنكم أخلاقًا» (7).

والجانب الثاني هو الجانب الإنتاجي الذي يبرز فيه أثر التوكل على الله تعالى في الالتزام بحقوق العمل وقوانينه، من حيث الدوام والقيام بالأعمال الموكلة على أتم وجه من غير كسل أو تهاون، وكذلك العمل على الإبداع والابتكار في المجال الذي يعمل فيه هذا الإنسان، بحيث لا يتوقف اجتهاده عند حد معين، بل يبذل ما لديه من مهارات ذهنية وعقلية وخبرات ومعارف في سبيل تحسين المجالات التي يعمل ضمنها وتطويرها بشكل مستمر، وذلك بالتوكل على الله تعالى وطلب العون والقدرة منه جل شأنه، وهو شأن المؤمن المتوكل على الله حق التوكل في كل حال وزمان ومكان.

6 – الرزق:

ومن أهم آثار التوكل على الله تعالى بالنهج الذي رسمه رسول الله ﷺ حصول المتوكل على رزقه وحاجاته المعيشية، كما ورد في حديث البحث: «كالطير يغدو خماصًا ويروح بطانًا» لأن الله تعالى الذي خلق هذا الإنسان خلق معه رزقه ومعاشه من يوم ميلاده إلى يوم أجله، لقوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}(8). إلا أنه جل وعلا يريد من عباده أن يسعوا في طلب ذلك الرزق ويعملوا له ويأخذوا بأسبابه، ومن ثم يطلبوا منه جل ثناؤه التيسير في ذلك السعي ودوامه والبركة فيه، يقول تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(9) حيث طلب من عباده السعي وتكفل هو بتأمين الرزق لهم.

وفي موضع آخر في كتاب الله جاء الربط واضحًا بين التوكل على الله والرزق، في قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّـهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}(10).
----------------------

(1) أخرجه البخاري ص1015، رقم 5752) كتاب الطب، باب من لم يرق. ومسلم (ص111، رقم 218) كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب.

(2) سورة الطلاق، الآية 3.

(3) سورة الطلاق، الآية 3.

(4) سورة الزمر، الآية 36.

(5) سبق تخريجه.

(6) أخرجه الترمذي (ص566، رقم 2488) كتاب صفة القيامة، باب فضل كل قريب هين سهل. وأحمد (1/ 415، رقم 3938). والطبراني في الكبير (19/ 346، رقم 10410). وابن حبان في صحيحه (2/216، رقم 470). وهو صحيح بشواهده.

(7) أخرجه البخاري (ص1054، رقم 6035).

(8) سورة هود، الآية 6.

(9) سورة الملك، الآية 15.

(10) سورة الطلاق، الآيتان 2-3.



بحث عن بحث