التوكل وفعل الأسباب:

إن التوكل الصحيح هو طلب العون من الله تعالى للوصول إلى هدف أو تحقيق غاية، والأخذ بالأسباب المشروعة المؤدية إليها، فإذا تُرك أحد هذين

العنصرين فإن التوكل يفقد مضمونه ومفعوله، رغم أن الله تعالى قادر على تأمين كل شيء وإحقاق كل مصلحة وظفر لعباده من غير علة أو سبب، ولا

يعني هذا أن فعل السبب ينافي حقيقة التوكل؛ بل يؤكد عليها ما دام المتوكل يعتقد أن حصول الأشياء تتم بأمر الله تعالى وليس من فعل السبب نفسه،

ولكن الله جعل الربط بينهما سنة كونية لحكمة هو يعلمها، والمتأمل في منهج القرآن والسنة النبوية وقصص الأنبياء والرسل عليهم السلام في دعواتهم سيجد

هذه السنة واضحة وصريحة، ويمكن الإشارة إلى بعضها من خلال الآتي:

1- في طلب الرزق، أمر الله عباده بالسعي والعمل من أجل أرزاقهم فقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ

النُّشُورُ}(1).

2- في الحرب، يطلب الله تعالى من المؤمنين الأخذ بأسباب المواجهة مع الأعداء من العتاد والتجهيزات العسكرية وغيرها، رغم أنه تعالى قادر على هزيمتهم

 

ودحرهم، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّـهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا

مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}(2).

3- وفي قصص الأنبياء، أمر الله تعالى نبيه لوط عليه السلام قبل أن يحل بقومه العذاب أن يخرج بأتباعه بالليل حتى لا يلحق بهم العذاب،

رغم أن الله تعالى قادر على أن ينجيهم من غير هذا الخروج، فقال: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ}(3).

4- وفي هجرة الرسول ﷺ إلى المدينة، حيث خرج خفية مع أبي بكر رضي الله عنه، رغم أنه عليه الصلاة والسلام كان يستطيع أن يخرج على مرآى من

قريش، من غير أن يلحق به أذى، ولكنه أخذ بسبب الحماية والحيطة في ذلك، وجعل هجرته سرًا، وكذلك في سائر أعماله عليه الصلاة والسلام، فكان

يلبس في الغزوات الدرع ويحمل السيف والترس، وكان يخطط قبل المواجهة كما حدث في غزوة بدر حين استشار صحابته وأشاروا عليه بردم الآبار، وكلها

أفعال أسباب لتحقيق الغاية والهدف.

5- في الشفاء من الأمراض، أمر النبي ﷺ بالتداوي والعلاج لحصول الشفاء، رغم أن الله تعالى قادر على أن يشفي عباده من غير ذلك، فقال عليه

الصلاة والسلام: «يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو قال دواء إلا داء واحدا قالوا يا رسول الله وما هو قال الهرم» (4). وأيضًا جعل

الله تعالى تحقيق الشفاء في مادة العسل.
--------------------------------------

(1) سورة الملك، الآية 15.

(2) سورة الأنفال، الآية 60.

(3) سورة هود، الآية 81.

(4) سبق تخريجه.



بحث عن بحث