ومن هذه الأعمال الصالحة النابعة من الإخلاص ما يلي:

2- الأعمال اللسانية (القول):

وهي كل ذكر لله تعالى، في أي موقف كان، فلا ينحصر العمل اللساني في الصلاة فحسب، بل هناك مواطن ومواقف يجب على الإنسان ألا يغفل أو

يتهاون فيها عن العمل اللساني، ومن ذلك:

- قراءة القرآن:

وقراءة القرآن من أهم الأعمال اللسانية الواجب على الإنسان فعلها، لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}(1). وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ

هَـٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ}(2).

ويقول عليه الصلاة والسلام: «من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كتب له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة»(3).

ويقول أيضًا: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه»(4).

- ذكر الله جل وعلا:

وهو من الأعمال اللسانية الذي يشمل كل العبادات القولية، من قراءة القرآن والاستغفار والدعاء وغيرها، وقد أمر الله تعالى بهذه العبادة القولية، وأثنى على أصحابها، وبيّن أهميتها، يقول جل وعلا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(5). ويقول عليه الصلاة والسلام: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيّ والميّت»(6).

- الدعاء:

وهو من الأعمال اللسانية التي تعين الإنسان على مخاطبة ربه جل وعلا، وطلبه العفو منه والغفران والرضى والجنة، وباللسان يرفع الإنسان إلى خالقه حوائجه ويبث إليه شكاويه ومعاناته، يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(7).

- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

وباللسان يؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر، وقد ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الأداة في مسألة الحسبة بقوله: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»(8).

- الدعوة إلى الله تعالى بالنصيحة والحكمة:

واللسان أداة مهم في دعوة الناس إلى دين الله تعالى وهدايتهم، فإذا أخلص المسلم في هذه الدعوة، وأحسن استخدام هذه الأداة كما كان عليه الصلاة والسلام يستعملها مع صحابته، فإن الله تعالى سيبارك في مسعاه وإنه سيرى ثمار دعوته يانعة ونافعة، يقول الله تعالى: { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(9) وهذه الدعوة كانت باللسان، ويقول أيضًا في قصة موسى عليه السلام مع فرعون: {اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ}(10) أي تحدثا معه بأسلوب لطيف ولين لعله يرجع عما هو عليه من الكفر والضلال، لأن الإنسان إذا أحسن في الكلام مع خصمه وأجزل في البيان، وتأدب معه أثناء الخطاب، فإنه يملك قلبه، ويستولي على مشاعره وأحاسيسه، فإنه ويكسبه دون شك، إلا من خُتم على قلبه وسمعه، وهو الأمر الذي عبر عنه الله تعالى بقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(11).

وبالمقابل فإن استخدام اللسان بغير هذا النمط بالقسوة أو الشدة أو الإساءة وغيرها، فإن المخاطَب سيزيد في عصيانه وتمرده، ويشتد في عدائه ومعاندته، وهو ما عبر عنه الله تعالى إتمامًا للآية السابقة: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}(12).

وهنا لفتة مهمة للدعاة والمربين والمصلحين لا بد من الانتباه إليها، لمدى أهميتها وضرورتها في المسيرة الدعوية وهداية الناس، والقدوة في ذلك الرسول الهادي عليه الصلاة والسلام، فقد كان أحسن الناس بيانًا، وألطفهم قولاً، وأقلهم كلامًا، حتى إن الأعرابي الذي يأتيه من البادية بجفائه وقسوته، ما يلبث لحظات إلا وقد تغيرت حاله وتحسنت أخلاقه وأطباعه، ومعلوم قصة الأعرابي الذي بال في المسجد وكاد الصحابة أن ينالوا منه، ولكن النبي ﷺ بحسن خلقه ولطف كلامه، جعل هذا الأعرابي يلين إليه وإلى دعوته، حتى قال: «اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا»(13).

- التدريس:

والتدريس رسالة عظيمة وأمانة كبيرة في أعناق المدرسين والمعلمين، أمام الناس الدنيا، وأمام الله تعالى في الآخرة، وهذه الرسالة بحاجة إلى إتقان وإخلاص لتوصيلها إلى الطلبة، وهي كسائر العبادات، يُجازى الذي يؤديها على وجهها المطلوب، ويُعاقب المتكاسل والمتهاون فيها، وليس من الضروري أن يكون التدريس بمادة شرعية أو دينية، بل تشمل جميع المواد العلمية والدينية.

ولا بد أن يكون المدرس على قدر من الوعي في استخدام أداة اللسان لإيصال المعلومة إلى أذهان المستمعين من الطلبة باختيار أفضل الأساليب وأحسن الكلام.

وعلى مدرسي المواد العلمية ألا يألوا من جهودهم في المزج بين المادة العلمية والأخلاق، لأنهما متلازمان، لا تصلح الحياة بواحدة منها دون الأخرى.
-------------------------------------------
(1) المزمل [4].
(2) النمل [91-92].
(3) أخرجه أحمد (2/ 342، رقم 8475).
(4) أخرجه مسلم (ص325، رقم 804) كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة.
(5) الرعد [28].
(6) أخرجه البخاري (ص1112، رقم 6407) كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله تعالى.
(7) البقرة [186].
(8) أخرجه مسلم (ص42، رقم 47) كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار.
(9) النحل [125].
(10) طه [43-44].
(11) إبراهيم [24-25].
(12) إبراهيم [26].
(13) أخرجه البخاري (ص1051، 6010) كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم.



بحث عن بحث