مناهج وسلوكيات خاطئة

وأخيرًا لا بد من الإشارة إلى بعض السلوكيات التي تخل بالاستقامة مع الله تعالى، فتخرجها عن مسارها الصحيح، وتأخذ بصاحبها إلى دروب مظلمة ومستنقعات آسنة، وتزيد من شقائه ومرضه في الحياة فضلاً عن سخط الله تعالى وعذابه يوم القيامة، ومن تلك الانحرافات:

 

1-   اللجوء إلى السحرة والمشعوذين والكهّان والدجّالين:

ربما يصيب مفهوم الاستقامة عند الإنسان في عقيدته التي هي سنام أمره ومناط قبول عمله من عبادات وطاعات، لأن الخلل الذي يصيب العقيدة يفسد جميع ما يترتب عليه من أعمال، ومن الأمور التي تفسد العقيدة وتخل بها هو التخلي عن الله تعالى وكتابه وسنة نبيه ﷺ في الأمراض لا سيما النفسية منها، ومن ثم اللجوء إلى المشعوذين والسحرة ليبرأهم ويشفيهم مما هم فيه، وهو تحوّل خطير في عقيدة الإنسان، حين يستبدل ما عند الله تعالى وهو الذي يُمرض ويشفي وهو القوي العزيز، إلى ما عند غيره من العبيد الضعفاء الذين لا يستطيعون ضرًا ولا نفعًا، ومن أجل ذلك جاءت التحذيرات الكثيرة من تجنب هذا المسلك الذي يؤدي بصاحبه إلى الهلاك والخسران، يقول عليه الصلاة والسلام: «من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ«(1).

وتصور – أخي القارئ – أن هذا الكاهن أو الساحر لو كان صادقًا لنفع نفسه، فهل يتجه إلى نفع غيره وهو لم يستطع أن يقدم لنفسه سوى الذلة والهوان لمستخدميه من الجن.

 

2-  الاعتراض على حكم الله تعالى:

من السلوكيات التي تحيد بالاستقامة عن مسارها، اعتراض الإنسان على حكم ربه وقدره حين ابتلاه بحال معينة، من مرض أو فقر أو عجز أو أية مصيبة أخرى، فيتضجر من الحال ويتأفف منها بصورة دائمة، ويكثر من الشكوى إلى العباد، وربما يتلفظ بألفاظ تخدش عقيدته، متجاهلاً حقيقة الابتلاء الذي هو جزء من سنة الله تعالى في كونه، يقول تبارك وتعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(2).

 

3-    التشكيك في شرع الله تعالى:

إن مداخل الشيطان على النفس كثيرة ومتنوعة، وأحد هذه المداخل عندما يصيب الإنسان بلاء أو مرض، ثم تطول  الفترة دون جدوى للخلاص والشفاء، فحينها يجد الشيطان فرصة مناسبة للولوج إلى نفس المبتلى لينفث فيها من همزاته ونزغاته، لا سيما إذا أخذ المبتلى ببعض الأسباب للخروج من أزمته، فيوسوس إليه الشيطان أين نتيجة دعواتك الطويلة وقراءتك للقرآن وأنت لا تزال تعاني المشكلة نفسها، فيثير هذا النفث في نفس المبتلى ريبًا وتشكيكًا في شرع الله تعالى، لا سيما أولئك الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، فيتأثرون بأضعف المؤثرات الشيطانية، وينقادون بكل سهولة وراء ما يملي عليهم شياطينهم من الشبهات.

فإن الأولى لهؤلاء الناس أن يلجؤوا إلى الله تعالى في بداية الأمر ويسدوا وساوس الشيطان من كل منفذ، لقوله تبارك وتعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(3). لأن المصيبة لن تنتهي بهذا التشكيك وإن الشيطان لن يزيدهم إلا بلاء وهلاكًا، ثم ما يلبث أن ينفر منهم حين تأتي الطامة فيتنكر لأتباعه وأوليائه، يقول الله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(4).

 

4-  اليأس والقنوط:

عندما يعتقد الإنسان أن منافذ الخلاص من المصيبة قد سدّت في وجهه، فيخبره الطبيب أنه لا يوجد دواء لمرضه، أو تقع عليه خسارة مالية، ونحو ذلك فيجد نفسه – فيما يظن – مضطرًا إلى اللجوء إلى الأساليب الشيطانية من سحر ودجل وخرافة، فيحيد عن منهج الله تعالى الذي أمره جل وعلا بالاستقامة عليه، فيسرع الهرولة إليهم، فلا يجد إلا الشقاء والخسارة المالية، ومن ثم يقع في اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى، فيفتح بابًا عظيمًا للشيطان فيزيده يأسًا وقنوطًا، حتى يشك في قدرة المولى جل وعلا على حل مشكلته، فتتوالى الأسئلة على ذهنه لِمَ يُقدر عليّ ذلك؟ وما بال غيري في حالة أخرى؟ إلى آخر تلك الأسئلة التي قد يخرج بها من الملة والعياذ بالله.

وبناء على ذلك من أهم خطوات الاستقامة ومعالمها: عدم اليأس والقنوط، واستشعار أن فرج الله قريب، يتذكر دائمًا قول الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}(5)، وقوله عليه الصلاة والسلام في وصيته لابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما: «واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا»(6)، وقول الشاعر:

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ***فرجت وكنت أظنها لا تفرج

وليعلم أنه مع اليأس لا ينفع الدواء، إذ أن المناعة النفسية تكون ضعيفة، فلنجدد استقامتنا الحقيقية حتى لا تخدش فتتأثر أهم أسس النفسية السوية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه أحمد (2/ 429، رقم 9532)

(2) [الملك: 2]

(3) [الأعراف: 200]

(4) [إبراهيم: 22]

(5) [الشرح: 5-6]

(6) أخرجه أحمد (1/307، رقم 2804)



بحث عن بحث