ثالثًا: الاستقامة في التشريع

أما الاستقامة في التشريع فتعني التحاكم إلى منهج الله تعالى في جميع العلاقات والمعاملات، ابتداء من علاقة الإنسان مع أسرته في بيته وانتهاء بعلاقته مع القضايا المصيرية الكبرى، وإن الحياد عن هذا المنهج والتحاكم إلى غيره يعدّ خرقًا عقديًا خطيرًا يجلب غضب الله تعالى وسخطه على الناس، لأن التحاكم إلى غير منهج الله تعالى يدل على وجود منهج وقانون أفضل وأصلح منه، وإن الاعتقاد بهذا يعد كفرًا واضحًا، لذا جاء التحذير الإلهي للأمة من مغبة اللجوء إلى تشريع آخر، أو التحاكم إلى قوانين بشرية ظالمة، وأنه لا سبيل لهم ولا اختيار إلا التحاكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، يقول تبارك وتعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(1).

ويقول أيضًا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}(2)

ففي ظل هذا التشريع الرباني تتحقق العدالة والمساواة بأجلى صورها، لأن الناس سواسية أمام حكم الله، فلا يستثني هذا الحكم أحدًا مهما بلغ من الجاه والمكانة والنسب بين قومه، فيجلس في الخصومات الغني مع الفقير، والسيد مع عبده، والأمير مع مأموره، والتاريخ الإسلامي حافل بأحداث وصور رائعة تعبر عن قوة هذا التشريع الرباني وقوة قضاته وكيف أن أكابر الناس وساداتهم كانوا يرضخون ويضعفون أمام حكمه وقضائه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [النساء: 65]

(2) [الأحزاب: 36]

                                                                                                                                                      



بحث عن بحث