مرحلة ظهوره، ونشأته.

أولاً : عصر الصحابة :

كان الرعيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم يتثبّتون في نقل الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  فقد ذكر الذهبي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان أول  من أحتاط في خبر الأحاد, وكان ذلك الاحتياط منهم من أجل التأكد في الضبط، وليس طعناً في راوي الحديث، لأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول، فالتفرّد في العصور الأولى لا بأس به، أما في العصور المتأخرة - عصر الرواية-  كانوا يفرّون من التفرد.

 وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتثبت من التحديث بالحديث إذا لم يكن مشتهراً ومعروفا عند الصحابة ,كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه في استئذان أبي موسى الأشعري رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه .

وأكثر ما جاء في التثبت عن عائشة رضي الله عنها ، وقد جمع الحافظ الزركشي كتاباً وسمه ب (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة) ، واختصره السيوطي فيما بعد وزاد عليه.

وكل ذلك ينبئ عن عظيم حرصهم في النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وتواتر عنهم الدقة في هذا المجال، وما ذلك منهم إلا حفظاً للوحي الثاني، وصوناً لها من أن يكون فيه مما ليس فيه . 

ثانياً: صغار الصحابة يحتاطون للحديث .

لما وقعت الفتنه بعلي رضي الله عنه أخذ صغار الصحابة يتشددون في الإسناد , بل وصل بهم الأمر إلى عدم الاكتراث بالحديث الذي لم يذكر فيه إسناد، فاصبح لايلتفت اليه.

و الأمثلة كثيرة،  ومن ذلك ما جاء عن بشير العدوي لما قدم على ابن عباسرضي الله عنه  وكان يحدث عن رسول الله صلى الله علي وسلم ولا ينظر اليه ابن عباس رضي الله عنه, فقال  يابن عباس : مالي لا أراك  تسمع لحديثي ؟ أحدثك عن رسول الله ولاتسمع لحديثي : فقال لما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس الا مانعرف. (1)

ومن تلك  الأسباب التي دعت لنشأة علم نقد المتون، هي بسبب من دخل في الإسلام من غير أهله, الذين يظهرون محبة النبيصلى الله علي وسلم بغية الوصول إلى أحاديثه للنيل من السنة خاصة، ولإحداث فيها ما ليس منها, من هنا أنبرى الصحابة الأوفياء ومن بعدهم التابعين الأتقياء, للتصدي لهذا الخطر،  وتمحيص السنة من الكذب, بل حتى تحميص من أخطأ جهلاً بها .

ويقول ابن تيميه،  بعد أن ذكر أهل المدينة وأهل البصرة وأهل الشام وأحاديثهم : " ... وأما أهل الكوفة ,فلم يكن الكذب في أهل بلد أكثر منه فيهم, انتهى كلامه. ." (2)

وقال ابن أبي حاتم:" ... ويقاس صحة الحديث بعدالة ناقلية , وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون من كلام النبوة, ويعلم سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته ".(3)

كما أن هذه الطريقة وجدت فيمن جاء بعدهم، فهذاالإمام أحمد رحمه الله يأمر بالضرب على حديث أبي هريرة (أهلك أمتي هذا الحي منقريش) قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: (لو أن الناس اعتزلوهم)، لأنه خلافالأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني قوله (اسمعوا وأطيعوا). واستدل الحافظأبو موسى المديني بهذه القصة على أن الإمام أحمد لم يورد في المسند إلا ما صح عندهواحتاط فيه إسناداً ومتناً.(4)

ثالثاً: نقد الحديث في زمن التابعين .

ثم سلك التابعون  هذه الطريقة بأثر الصحابة، فهذا الربيع بن خثيم (61هـ) رحمه الله يقول: "إن من الحديث حديثاً له ضوء كضوء النهار، نعرفه به، وإن من الحديث حديثاً له ظلمة كظلمة الليل نعرفه به" (5)

مما يعلم بذلك استخدامهم لنقد المتن عند الحكم على الحديث

وقد تلقى كبار التابعين هذا العلم , اعني علم النقد من الصحابة عذبا صافيا بلى كدر. فسلكوا الجادة وبنوا عليها قواعدهم،  ومهدوها لما بعدهم , إلا أن هذه الحقبة لقربها من المنهل النبوي كان فيها قلة من الكذابين ,ذلك لوجود صحابة عدول وتابعون ورعون , وكان ممن تكلم في الرجال  في هذه الفترة أئمة منهم , كالزهري والشعبي وابن المسيب, ولا يكاد يوجد  الضعيف  فيهم "كالحارث الأعور, أو المختار الكذاب .(6)

رابعاً: نقد الحديث في عهد أتباع التابعين.

في هذه المرحلة أخذ أتباع التابعين عن كبارهم, فقد أخذوا عنهم قواعد نقد المتون،  وكذلك الكلام في الرجال، فلا تكاد يخرج الحكم عن دائرتهم, فهم أهل هذا الفن ورجاله، وإليهم اليد الطولى فيما أستصعب بيانه. (7)

 ومن أولئك الأئمة الأفذاذ: مالك في المدينة, وسفيان بن عيينة في مكة, و سفيان الثوري بالكوفة ,وبالشام الأوزاعي، وبالبصرة حمادبن زيد .


(1) مقدمة صحيح مسلم .

(2) مجموع الفتاوى (20/316)

(3) علل ابن أبي حاتم (1/26)

(4) انظر مقدمة المسند لأحمد شاكر (24/ 1)

(5) الطبقات الكبرى لابن سعد ح: 7684

(6) للاستزادة أنظر:  المنار المنيف ص:86

(7) انظر: تذكرة الحفاظ (1/9)

 



بحث عن بحث