اللهم بارك لي في أهلي

 

تأمــل أخي القارئ:

تلك العلاقة التي تنشأ بين الرجل والمرأة بكلمة من خاطب المرأة وكلمة من وليها في محضر من الناس، ثم ينقلب الحال من الحرمة إلى الحل، ومن ثم إلى واجبات وحقوق ومسئوليات، وكلما كبرت هذه الأسرة زادت الروابط بمزيد من الأفراد، وتشعبت وتأكدت الحقوق، وانتقل الزوجان من الخطوة الأولى (الزوجية) إلى الخطوة الثانية (الأبوة الصغرى) ثم إلى الخطوة الثالثة (الأبوة الكبرى) ...وهكذا معاً وسوياً مما يزيد قربهما من بعضهما حتى يكونا كنفس واحدة )وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون)َ (21) سورة الروم.

وتمتد هذه الصحبة بين الزوجين وتستمر إلى الدار الآخرة، ويرتقيان في الجنة أعلاهما منزلة، قال سبحانه )جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (24)( سورة الرعد.

قال العلامة ابن كثير رحمه الله:[ أي: يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين؛ لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى، من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته، بل امتنانًا من الله وإحساناً(1) ].

وعلاقة تبدأ صغيرة وتكبر بصورة سريعة وتتعدى آثارها الحياة الدنيوية لتكون وسيلة لارتقاء الدرجات العلى في الجنة، لا تتحقق إلا باختيار رشيد لكلا الطرفين، ووعي شديد لكيفية إدارة هذه العلاقة، وقبل ذلك التوجه للخالق العظيم قبل الاختيار وبعده بطلب السداد والتوفيق، والاستمرار في الدعاء -كل منهما للآخر- بعد الزواج بصدق وإخلاص، وهذا ما أرشد إليه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم  عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  حينما جاءه رجل من بجيلة يقول: إني قد تزوجت جارية بكراً وإني قد خشيت أن تَفرُكَني(2) .

فقال عبد الله: إن الإلف من الله وإنّ الفرك من الشيطان ليِ كرّه إليه ما أحلَّ الله له، فإذا أُدْخلت عليك فَمُرها فلْتُصلِّ خلفَكَ ركعتين، وقل اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم فيَّ اللهم ارزقني منهم وارزقهم مني اللهم اجمع بيننا ما جمعت إلى خير وفرِّق بيننا إذا فرقت إلى خير(3) .

وهو ما نستفيده  من ملائكة الله الكرام في دعائهم لعباد الله الصالحين، قال سبحانه حاكياً عن حالهم )الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)( سورة غافر.

وهذا هو دأب المؤمنين في دعائهم، قال الله عز وجل )وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)( سورة الفرقان.

بل كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم  يغتنمون الفرص للظفر بالدعاء المستجاب لهم ولأزواجهم، من ذلك موقف جميل لزوجة جابر بن عبد الله رضي الله عنه  في قصة له طويلة مع غرماء أبيه بعد استشهاده- وَفيه [فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  جَاءَنِي الْيَوْمَ وَسَطَ النَّهَارِ فَلَا أَرَيْتُكِ وَلَا تُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فِي بَيْتِي بِشَيْءٍ وَلَا تُكَلِّمِيهِ.

فَدَخَلَ فَفَرَشَتْ لَهُ فِرَاشًا وَوِسَادَةً، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، -وفيه أنه صنع له طعاماً إلى أن قال- فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ وَقَامَ أَصْحَابُهُ فَخَرَجُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَاتَّبَعْتُهُمْ حَتَّى بَلَغُوا أُسْكُفَّةَ الْبَابِ، قَالَ: وَأَخْرَجَتْ امْرَأَتِي صَدْرَهَا وَكَانَتْ مُسْتَتِرَةً بِسَقِيفٍ فِي الْبَيْتِ.

قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ.

فَقَالَ: "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ"

فرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَلَمْ أَكُنْ نَهَيْتُكِ أَنْ تُكَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  ؟!

قَالَتْ: أَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُورِدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  بَيْتِي ثُمَّ يَخْرُجُ وَلَا أَسْأَلُهُ الصَّلَاةَ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ].(4)

وكَانَ عَبْدُ الله بْنُ عَمْروٍ رضي الله عنهما إِذَا أَفْطَرَ دَعَا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَدَعَا ويقول: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ" لِلصَّائِمِ عِنْدَ إِفْطَارِهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ" (5) .

ومن هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  أن يُشرك أهله مع نفسه في كل دعاء يدعو به من ذلك، قال عبد الله بن عمر يقول: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم  يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح ( اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي ومن خلقي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي(6) ).

فإلـى كل زوجين

الدعاء .. الدعاء فبه تهنئآن في الدنيا وبه تسعدان في الآخرة

 

                                                                                                   بقلم

د. إلهام بدر الجابري

 


 


(1)  تفسير القرآن العظيم /451 .

(2)  أي تبغضني وتكرهني.

(3)  أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ح10460-6/191، ومن طريقه أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ح8993-9/204، وأخرجه محمد بن فضل الضبي في كتابه الدعاء ح33ص34 قال حدثنا ابن فضيل حدثنا العلاء بن المسيب عن أبيه قال جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود به.

(4) أخرجه أحمد ح15281-23/417.

(5) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ.إتحاف الخيرة المهرة ح2291- 3/102 .

(6)  أخرجه ابن حبان باب الأدعية ح961-3/241 قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن. وأخرجه أبو داود باب ما يقول إذا أصبح ح5076-4/479 وقال الألباني:صحيح، وابن ماجه ما يدعو به الرجل إذا أصبح ح3871-2/1273.

 



بحث عن بحث