نصيحة من القلب إلى الأزواج(1) (2-3)

 

 

إن من أسباب سعادة الزوجين قيام كل منهما بما يجب عليه نحو صاحبه، فقيام الزوج بالواجب عليه، وقيام المرأة بالواجب عليها، يكفل للبيت السعادة والهناء بتوفيق من الله.

والله جل وعلا في كتابه العزيز قد بين للزوجين الواجب على كل منهما فقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بالْمَعْرُوفِ} البقرة:228، فأخبر تعالى أن للزوجة حقاً كما أن عليها واجباً، وللزوج حق كما أن عليه واجباً.

فالحق الواجب على الزوج نحو امرأته الإنفاق عليها، كسوتها، التعامل معها بالمعروف، كفُّ الأذى، حسن العشرة، وقد سأل رجل النبي صلي الله عليه وسلم  : «ما حق امرأة الرجل عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طمعت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في الفراش»(2) .

فهذه خمس خصال:

أولاً: أمره أن يطعمها إذا طعم، فيوفر لها الطعام، وأمره أن يوفِّر لها الكسوة،

ثم نهاه عن ضربها في الوجه، لأن الضرب في الوجه فيه إهانة وإذلال، ووجه الإنسان أشرف أعضائه الظاهرة، فلا يجوز تشويهه بضربه، ويمكن الأدب في غير ذلك.

ونهاه أن يقبِّح أي: أن يقول كلمة قبيحة، نحو: قبَّحكِ الله أو غيره من الألفاظ البذيئة، فإن الألفاظ السيئة تجرح القلب أعظم من الضرب، ولذا يقول الله جل وعلا: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} الإسراء:53.

ونهاه عن الهجران إلا في الفراش، بمعنى: إذا أراد هجْرها هجَرها بترك المبيت معها، وأما هجرٌ بترك الكلام والمحادثة فهذا نهى عنه النبي صلي الله عليه وسلم  ، فبقاؤها معه من دون حديث صاحبهما للآخر يزيد في الجفاء، ويبعد كلاً منهما عن الآخر، فإن الأحاديث الودية مما يُكسب القلب محبة ومودة من كل منهما لصاحبه، وأما إذا دخل وخرج، لا يكلمها ولا يلتفت إليها، لا يسمع منها قولاً، ولا يُسمعها قولاً، فهذا أمر نهى عنه النبي صلي الله عليه وسلم  ، لأنه يحدث تصدُّعاً في الحياة الزوجية، وبعد كلٍ منهما عن الآخر، والله تعالى يقول أيضاً: {وَعَاشِرُوهُنَّ بالْمَعْرُوفِ} النساء:19، وقال: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً} البقرة:231، فانظر إلى أن ربنا جل وعلا أرشد الزوج إذا طلق المرأة، وأراد العود إليها، فليكن بقصد الإصلاح، {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} ، {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي: قاربن انقطاع العدة، {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} بمعنى: استرجعوها لتكون الرجعة بالمعروف أي: ناوياً العشرة بالمعروف، لا جاعلاً الرجعة سبباً للعذاب والألم، {أَوْ سَرّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} فدعها تنقضي عدتها، ولعل الله أن يعوضها خيراً ويعوضك خيراً، وأما إمساك لأجل الإضرار والظلم والعدوان، فهذا نهى الله عنه بقوله: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ} أي: لا تمسكوهن وتراجعوا المرأة ضراراً لأجل أن تعتدي عليها، أو أن تظلمها وتسيء إليها، فذاك محرم في شريعة الإسلام، والعدوان قد نهى الله عنه، ولا يحلّ للرجل أن يعتدي عليها بالإيذاء والإضرار، فذاك أمر لا يليق بالمسلم السامع والمطيع لله ورسوله.

ونبينا صلى الله عليه وسلم قد أرشد الأزواج أيضاً، أرشد الزوج إلى المعاملة الحسنة مع المرأة، فأخبرهم صلي الله عليه وسلم  أن من كمال الإيمان حسن الخلق، فقال: «أكمل المؤمنين إيمان أحسنهم خلقاً، وخيركم خيركم لنسائه»(3)  ، فإن حسن الخلق وحسن التعامل يدلّ على كمال الإيمان وقوته، وسوء العشرة وسوء المعاملة وعدم الوفاء يدل على نقص في الإيمان، ولذا قال نبينا صلي الله عليه وسلم  : «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً»، ثم قال: «وخيركم خيركم لنسائه» ، وخير الناس من كان خيره لنسائه، التعامل الحسن، والقيام بالواجب، والبعد عن كل ما يكدّر صفو العشرة وينغصها.

ويبين صلي الله عليه وسلم  في موضع آخر أن الرجل يجب أن يكون المستحمل للأخطاء، ويجب أن يكون الصبر والتحمل من أخلاقه، فهو أقوى من المرأة تحملاً، والمرأة ضعيفة، وقد يكون منها الخطأ، لكن تحمّلُ الرجل وصبره هو المطلوب منه، فإنه القيّم عليها، وما دام القيم فلا بد من صبر وتحمل، فيقول صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر»(4)  ، لا يبغضها ويكرهها فإن أخلاقها قد يكون فيها خلق غير مناسب، ولكنها تشتمل على خلق طيب أيضاً، وهكذا حال الإنسان، فالكمال في المخلوق غير ممكن، لا من الرجل ولا من المرأة، فإن كرهت منها خلقا من الأخلاق فلا بد أن ترتضي منها خلقا غيره، وأما إذا كنت تعاتب على كل نقص، وتريد الكمال في كل الأحوال، فذاك طلب المستحيل، ومن كثر عتابه قلّ أصحابه.

ويبين صلي الله عليه وسلم  أيضاً ذلك بوضوح جلي فيقول فيما ترويه عائشة رضي الله عنها : «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي(5) ، فنبينا محمد صلي الله عليه وسلم  خير الناس لأهله، صبراً وتحملا وإكراماً ومعاملة بالحسنى، آلى شهراً منهن لما حصل منهن ما حصل، ومع هذا كان يعاملهن بالحسنى صلي الله عليه وسلم  ، وتخبر عائشة لما سئلت: ماذا كان يفعل في بيته؟ قالت: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِه»(6)  ، فهو من أحسن الناس خلقاً، وأحسنهم تعاملاً صلوات الله وسلامه عليه أبداً دائماً إلى يوم الدين.

وهو صلي الله عليه وسلم  أرشد الأزواج إلى أمر عظيم، وهو أن المرأة من طبيعتها الضعف وقلة القيام بالواجب المطلوب، إن من طبيعتها الضعف فقال صلي الله عليه وسلم  : «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا))(7)، فهذا توجيه للرجل أنه لُفِت نظره إلى تركيبة المرأة الضعيفة، وربما يكون منها سوءٌ في شيء من الأخلاق، أو قلة قيام بواجب، فلا تنظر إليها إلا نظر من يعرف وضعها وحالها، وأنك إذا أردت أن تقيم الاعوجاج فإن ذلك يستحيل عليك.

وأخبر صلى الله عليه وسلم يبين أيضاً أن المرأة خلقت من ضلع(8) ، وأنها لا تستقيم لك على طريقة واحدة، إذا تعوِّد نفسك على الصبر والتحمل وعدم الضجر مما عسى أن تجده من بعض أخلاقها، لتنتظم الحياة الزوجية، ويتربى الأطفال في حضن الأبوين، في محبة ومودة وقيام بالواجب.


(1)  من خطبة للشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ في جامع الإمام تركي بن عبد الله بعنوان الحقوق الزوجية بتاريخ 18/11/1422 هـ بإختصار، نقلته أمة الله بنت عبد المطلب مشرفة المنتديات النسائية بموقع مكتبة المسجد النبوي الشريف في كتاب أسمته رفقاص بالقوارير وذكرت فيه:[ لقد قمت بجمع هذه الموضوعات من المواقع الإسلامية التي على منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة بعد مراجعتها وإعدادها لتصل إليكم في شكل يناسب الأسرة المسلمة التي تريد الاستقامة على منهج الله فتظفر بالسعادة في الدنيا والآخرة، وقد تعمدت ذكر بعض الأخلاق الكريمة التي يجب أن تتحلى بها الأسرة مثل الصبر وإصلاح عيوب النفس والتي هي من سبيل الفوز في الدارين.

وتم تمييز الآيات القرآنية مع بيان رقم السورة والآية، وتم حذف الأحاديث الضعيفة ووضع الأحاديث الصحيحة عوضاً عنها مع تخرج كافة الأحاديث والآثار واستبدال الألفاظ غير المطابقة لما ورد في دواوين الإسلام بما هو وارد فيها، ولو كان الحديث في أحد الصحيحين فأكتفي بذكرهما، وإن كان في غيرهما فاقتصر على ذكر بعض الطرق الصحيحة وبخاصة من السنن الأربعة، ثم اذكر رقم الحديث حسبما ورد في كتب السنة، كما وردت في المقالات بعض العبارات بدون ذكر الدليل عليها فتم إضافة الأدلة الصحيحة في الهوامش، فما كان من توفيق فمن الله وحده وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان

 (2)أحمد 4/447، وأبو داود، وابن ماجه 1850، والنسائي في الكبرى 9171،وصححه الألباني في الإرواء 2033

(3) أحمد 2/250، والترمذي 1162 وقال حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة 1469

 (4)مسلم 1469

 

(5) الترمذي 3830 وقال حسن غريب صحيح، وابن ماجه 1967، وصححه الألباني في الصحيحة 285

(6) البخاري 676، 4944

(7) البخاري 3331 واللفظ له، ومسلم 1468

 (8)البخاري 3084، ومسلم 2671

 



بحث عن بحث