نصيحة من القلب إلى الأزواج(1) (1-3)

 

أيّها الأزواج، لا تتجاوَزوا ما شرَع الله لكم من الضّرب غيرِ المبرِّح حالَ النشوز إلى ما حرّم عليكم من الضّرب المفظع والاعتداءِ الموجِع والجَلد المروِّع، فإنّ عواقبَه وخيمة وأضراره جسيمة، وفي البخاريّ أنّ النبيّ صلي الله عليه وسلم   قال: «لا يجلِد أحدكم امرأتَه جلدَ العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم»(2)

لقد تجاوَز رجالٌ على عهدِ رسول الله، فطاف النّساء بآلِ رسول الله يشتكين الضربَ من أزواجهنّ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم  : «لقد طاف بآل محمّدٍ نساء كثير يشتكين مِن أزواجهن، ليس أولئك بخياركم»(3) ، وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه  أنَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم  قال: «ولا تضربِ الوجهَ ولا تقبِّح»(4) ، فويل للظالم، ويل للظالم يوم اقتصاصِ المظالم.

أيّها الأزواج، إنَّ السهرَ والسمَر خارجَ المنزل من مثيرات القلق والأرق، ينغِّص على الزّوجة حياتَها، ويزعزع ويزلزل استقرارَها، ويَضيع بسببه الأولاد فلذةُ الأكباد وثمرة الفؤاد، حتّى يصيروا فريسةً لوحوش الظلام وفتنِ هذا الزّمان، فاحذروا هذا السهرَ واجتنبوه ولا تقربوه.

أيّها الأزواج، إنّ ظهورَ المعاصي والمخالفات وانتشارَ المنكرات في كثير من البيوتات من أعظم أسباب خرابِها ودمارها.

ولقد دبَّ الشّقاء والشقاق وثارَت ثائرة الغيرة واشتعلت نيران الشكّ والحيرة بين كثير من الأزواج بسبب طبَق القنوات الخطرِ المحدِق والشرّ المطبق، فحين رأى غيرَها ورأت غيرَه رغِب عنها وزهدت فيه، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} آل عمران:117، نعوذ بالله من الخزيِ والعار ومن فعل يقرِّب إلى النار.

فاتّقوا الله عبادَ الله، وطهِّروا بيوتكم ممّا يستوجب اللعنةَ والطرد والإبعاد، {قُل إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} الرعد:27.

ألا فلتذهبِ المرأةُ مربيةَ أجيال برقِّة طَبع ولطافة حسّ وذكاءِ عاطفة، وليذهَبِ الرجل قوّامًا وقائدًا بقوّةِ بأس وجلالة فِكر وسلامة تقدير وتدبير، وليذهبِ الاثنان إلى حياةٍ كريمة في ظلِّ تمسّك بالدين وفعلٍ للواجبات واجتنابٍ للمحرمات وتعاونٍ على البر والتقوى، «ورحم الله رجلاً قام من الليل فصلّى، ثمّ أيقظ امرأته فصلّت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحِم الله امرأةً قامت من الليل فصلّت، ثمّ أيقظت زوجها فصلّى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء»(5)

{وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَىْء كُلُّ امْرِىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} الطور:21.

 

أيّها المعدِّدون! اتقوا الله واعدلوا بين أزواجكم، اعدِلوا بينهنّ في مسكنهنّ وملبسهنّ ومأكلهنّ ونفقةٍ عليهنّ والمبيتِ عندهنّ، واحذَروا الجورَ والحيف، فإنّه من أسباب العذاب وموجبات العقاب، يقول النبيّ صلي الله عليه وسلم  : «إذا كانت عندَ الرجل امرأتان فلم يعدِل بينهما جاءَ يوم القيامة وشقُّه ساقط»(6) ، و «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائِه، فأيتهنّ خرج سهمُها خرج بها معه»(7) . وكان يقسِم بين نسائه ويعدِل بينهن.

اعدِلوا بينهن، وراعوا ما يحصل بينهن من الغيرة التي لا يقدرن على دفعها، ولا سبيل لهن إلى رفعها ومنعها، غيرةٌ تغيّر القلبَ والطبع وتهيّج الغضب وتقلِب الوضع، فتعاملوا بالعقل والحِكمة، واحذَروا قالةَ السوء وصاحبَ السوء وعملَ السوء، {وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} النور:31.


(1) من خطبة للشيخ صلاح بن محمد البدير بالمسجد النبوي بتاريخ 11/5/ 1424 باختصار. نقلته أمة الله بنت عبد المطلب مشرفة المنتديات النسائية بموقع مكتبة المسجد النبوي الشريف في كتاب أسمته رفقاص بالقوارير وذكرت فيه:[ لقد قمت بجمع هذه الموضوعات من المواقع الإسلامية التي على منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة بعد مراجعتها وإعدادها لتصل إليكم في شكل يناسب الأسرة المسلمة التي تريد الاستقامة على منهج الله فتظفر بالسعادة في الدنيا والآخرة، وقد تعمدت ذكر بعض الأخلاق الكريمة التي يجب أن تتحلى بها الأسرة مثل الصبر وإصلاح عيوب النفس والتي هي من سبيل الفوز في الدارين.

وتم تمييز الآيات القرآنية مع بيان رقم السورة والآية، وتم حذف الأحاديث الضعيفة ووضع الأحاديث الصحيحة عوضاً عنها مع تخرج كافة الأحاديث والآثار واستبدال الألفاظ غير المطابقة لما ورد في دواوين الإسلام بما هو وارد فيها، ولو كان الحديث في أحد الصحيحين فأكتفي بذكرهما، وإن كان في غيرهما فاقتصر على ذكر بعض الطرق الصحيحة وبخاصة من السنن الأربعة، ثم اذكر رقم الحديث حسبما ورد في كتب السنة، كما وردت في المقالات بعض العبارات بدون ذكر الدليل عليها فتم إضافة الأدلة الصحيحة في الهوامش، فما كان من توفيق فمن الله وحده وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان

(2)  البخاري 5204، ومسلم 2855 بنحوه.

(3)  أبو داود 2146، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، والنسائي في الكبرى 9167، وابن ماجه 1985، والدارمي 2219

(4)  أحمد 4/447، وأبو داود، وابن ماجه 1850، والنسائي في الكبرى 9171، وصححه الألباني في الإرواء 2033

(5)  أحمد 2/250، وأبو داود 1113 وصححه الألباني في صحيح أبي داود، والنسائي 1592، وابن ماجه 1326

(6)  أحمد 2/347، 471، وأبو داود 2133، والترمذي 1141 وصححه الألباني في صحيح الترمذي، والنسائي 3942، وابن ماجه 1969، وقال الحافظ في البلوغ 1085: إسناده صحيح

(7)  البخاري 2594، ومسلم 2770.

 



بحث عن بحث