حقها عليك / حقك عليه (6-6)

 

 

العدل بين الزوجة وصويحباتها/

 

أصبح الحديث عن الزوجة الثانية من الأمور التي تهدد أمن الأسرة واستقرارها النفسي والمادي ، وهذا يرجع إلى أسلوب الزوج في مناقشة هذا الموضوع مع زوجته؛ إذ كثيراً ما يكرره على مسامع زوجته على وجه التهديد ، أو التسلية؛ لإثارة غيرتها عليه، والعبث بمشاعرها ، أو المزاح الثقيل ، أضف إلى ذلك النماذج الموجودة في المجتمع، التي تعطي صورة سيئة لقضية التعدد . والإعلام الذي يركز على هذه النماذج، ويشيعها في المجتمع .

ولا شكّ أن كل زوج يتمنى التزوّج بثانية، وثالثة، ورابعة -وإلا لما جعله الله مما يتنعم به الرجل إن كان من أهل الجنة- ولكن ليس عليه أن يبديه للمرأة حفظاً؛ لقوله تعالى ( وعاشروهن بالمعروف ) .

 

ولو تأملنا الحكمة من شرعية التعدد لوجدنا حكماً عظيمة، تصب في مصلحة الفرد، والمجتمع، والأمة، منها :

- تكثير سواد الأمة الإسلامية.

-كفالة الأيامى من النساء واليتامى.

- الحد من شيوع الفواحش في المجتمع.

- حل بعض المشكلات الأسرية الناتجة عن عقم الزوجة، أو مرضها، أو عدم قدرتها على القيام بالحقوق الزوجية كما ينبغي .

لكن تبقى قضية العدل والقدرة المحور الأساس الذي يبيح للزوج التزوج بثانية وأكثر؛ للحفاظ على كيان الأسرة ، فالهدف من التعدد بناء المزيد من الأسر، وليس استبدال الأسر ببعضها، أو هدم أسرة وبناء أسرة أخرى مكانها .

فإن ترتب على هذا التعدد ظلم وتعدي ، أو تضييع لبعض الزوجات ، أو تفريط في حق الأولاد ، أو أي ضرر آخر لحق بالرجل من الإثم بقدر الضرر الحاصل .

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد جمع - عليه الصلاة والسلام- في عقده أحد عشرة امرأة، حقق لهن كلهن السكن، والمودة، والرحمة، وهذا يدل على أن العدل ليس مستحيلاً ؛ بل هو جدٌ ممكن إذا اتقى الزوج الله تعالى، واستشعر الخوف من الوقوع في الظلم ، واجتهد لتحقيق العدل بين نسائه . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)(1).

 

وأما قوله سبحانه وتعالى (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)(2).

قال العلامة الطبري - رحمه الله-: " لن تطيقوا أيها الرجال، أن تسوُّوا بين نسائكم وأزواجكم في حُبِّهن بقلوبكم حتى تعدِلوا بينهنّ في ذلك، فلا يكون في قلوبكم لبعضهن من المحبة إلا مثلُ ما لصواحبها؛ لأن ذلك مما لا تملكونه، وليس إليكم "ولو حرصتم"، يقول: ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك، "فلا تميلوا كلَّ الميل"، يقول: فلا تميلوا بأهوائكم إلى من لم تملكوا محبته منهن كلَّ الميل، حتى يحملكم ذلك على أن تجوروا على صواحبها في ترك أداء الواجب لهن عليكم من حق: في القسم لهن، والنفقة عليهن، والعشرة بالمعروف "فتذروها كالمعلقة"، يقول: فتذروا التي هي سوى التي ملتم بأهوائكم إليها "كالمعلقة"، يعني: كالتي لا هي ذات زوج، ولا هي أيِّمٌ."(3)   

 

يدل على ذلك أيضاً حديث عائشة - رضي الله عنها- قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ويعدل ، ويقول ( اللهم هذا قَسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك )(4).

والعدل الواجب هو في المبيت، والسكن، والنفقة(5).

والأفضل في المبيت أن لا يزيد في القسم على ليلة ليلة؛ لأن فيه مخاطرة بحقوق زوجاته، وأن لا يأتي غير صاحبة النوبة في بيتها في الليل ؛ بل ذلك حرام، إلا لضرورة ، وإلا بإذنها ، ويستحب للزوج أن يأتي كل امرأة في بيتها ، ولا يدعوها إلى بيته ، لكن لو دعا كل واحدة في نوبتها إلى بيته كان له ذلك ، وهو خلاف الأفضل، ولو دعاها إلى بيت ضرائرها لم تلزمها الإجابة، يدل على ذلك كله حديث أنس رضي الله عنه قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة ، وكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع ، فكن يجتمعن في كل ليلة في بيت التي يأتيها ...)(6).

وحق المبيت يثبت للزوجة وإن كانت حائضاً، أو نفساء، أو مريضة ؛ لأن مقاصد المبيت المؤانسة، والتوادد، ونحوه ، وهذا تستوي فيه جميع الزوجات .

وإذا تزوّج بكراً على امرأته أقام عندها سبعاً، ثم قسم بينهما ، وإن كانت ثيباً أقام عندها ثلاثاً، ثم قسم بينهما ؛ لحديث أنس رضي الله عنه ( من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وقَسَّم ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم )(7).

 

وأخيراً من استطاع العدل ووجد القدرة فعدّد نساءه فهو مأجور ، ومن قصّر وتعدّى وفرّط فهو موزور .

 

 

 

                                                        هذه السلسلة بقلم

                                                       

                                                       د. إلهام بدر الجابري


 


(1) - أخرجه أبو داود ك النكاح باب في القسم بين النساء ح2133-2/249 ، والترمذي ك النكاح باب 40 ما جاء في التسوية بين الضرائر ح1150-2/304، والنسائي ك عشرة النساء باب2 ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض ح3942-7/63 ، وابن ماجه ك النكاح باب47 القسمة بين النساء ح1969-1/633، والدارمي ك النكاح باب في العدل بين النساء 2/143 ،  وأخرجه أحمد 2/471 ، وأخرجه ابن حبان ك النكاح باب القسم ذكر وصف عقوبة من لم يعدل بين امرأتيه في الدنيا ح4194-6/204 ، والحاكم  ك النكاح باب التشديد في العدل بين النساء 2/186 وقال : هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي . والحديث صحيح، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص 3/201 :[ وإسناده على شرط الشيخين ، قاله الحاكم وابن دقيق العيد ، واستغربه الترمذي مع تصحيحه ...].

(2) - سورة النساء آية 129 .

(3) - جامع البيان في تفسير آي القرآن 9/284 .

(4) - أخرجه أبو داود ك النكاح باب في القسم بين النساء ح2134-2/249 ، والترمذي ك النكاح باب40 ما جاء في التسوية بين الضرائر  ح1149-2/304 ، والنسائي ك عشرة النساء باب2 ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض ح3943-7/64 ، وابن ماجه ك النكاح باب 47 القسمة بين النساء ح1971-1/633 ، والدارمي ك النكاح باب في القسمة بين النساء 2/144 ،  وابن حبان ك النكاح باب القسم ذكر ما كان يعدل المصطفى صلى الله عليه وسلم في القسمة بين نسائه ح4192-6/203 ، والحاكم ك النكاح باب التشديد في العدل بين النساء 2/187روقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي . والحديث رجاله ثقات وقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي ، وصححه ابن حبان ، لكن أُعلّ بالإرسال ، لكن له شواهد يرتقي بها إلى الحسن لغيره، انظر: إرواء الغليل 7/85 للألباني .

(5) - الأم 5/203 ، وانظر : فتح الباري 9/313 ، معالم السنن 3/188 ، شرح مشكل الآثار 1/215 ، سبل السلام 3/339 .

(6) - أخرجه مسلم ك الرضاع باب القسم بين الزوجات- وانظر: شرح النووي 10/46 .

(7) - أخرجه البخاركاح باب100 إذا تزوج البكر على الثيب ح5213-9/313 وباب101 إذا تزوج الثيب على البكر ح5214-9/314 ، ومسلم ك الرضاع باب ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عقب الزفاف –انظر: شرح النووي10/45 .

 

 

 



بحث عن بحث