حقك عليه / حقها عليك

1 – المهـر وهو ما يقدمه الرجل للمرأة من مال ومنفعة إذا أراد تزوجها.

  عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال ( مهيم يا عبد الرحمن ؟ ). قال يارسول الله تزوجت امرأة من الأنصار قال ( فما سقت فيها ) . فقال وزن نواة من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أولم ولو بشاة) (1).

  وهذا حق واجب على الرجل للمرأة إذا أراد تزوجها ، فقد أمر الله تعالى به في قوله (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا )(2).

 قال الإمام ابن كثير رحمه الله : عن عائشة : نحلة: فريضة. وقال مقاتل وقتادة وابن جريج: نحلة: أي فريضة. زاد ابن جريج: مسماه. وقال ابن زيد: النحلة في كلام العرب: الواجب، يقول: لا تنكحها إلا بشيء واجب لها، وليس ينبغي لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم  أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذباً بغير حق.

ومضمون كلامهم: أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حَتمًا، وأن يكون طيب النفس بذلك، كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيبًا بها، كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيباً بذلك، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالاً طيبًا؛ ولهذا قال الله تعالى { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا }(3).

ومع أن الإسلام أوجب على الرجل تقديم مهر للمرأة التي يريد التزوج بها لكن لم يجعله شرطاً ولا ركناً في العقد، وإنما يجب به؛ بمعنى أنه أثر من آثار العقد فيصح مقدماً ومؤخراً ، قال الله تعالى (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِين )(4)، فرفع الله الجناح عمن طلّق في نكاح لم يسم فيه المهر، والطلاق لا يكون إلا في نكاح صحيح ، فدل على جواز النكاح بلا تسمية المهر.

ومع هذا فقد حفظ الإسلام حق المرأة في المهر ، وجعله معلقاً في ذمة الرجل حتى يؤديه ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ لِرَجُلٍ « أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلاَنَةَ ». قَالَ نَعَمْ. وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ «أَتَرْضِينَ أَنْ  أُزَوِّجَكِ فُلاَنًا ». قَالَتْ نَعَمْ. فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَدَخَلَ بِهَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَكَانَ مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ  -صلى الله عليه وسلم- زَوَّجَنِى فُلاَنَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئًا وَإِنِّى أُشْهِدُكُمْ أَنِّى أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا سَهْمِى بِخَيْبَرَ فَأَخَذَتْ سَهْمًا فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَزَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- وَحَدِيثُهُ أَتَمُّ - فِى أَوَّلِ الْحَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم« خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُهُ »(5)

 وعَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ فَقَالَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلاً وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ. فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  قَضَى بِهِ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ(6).

  بل جعل الإسلام منع المرأة حقها في المهر أو أخذ منه شيئاً بغير رضاها من أعظم الذنوب قال الله تعالى (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )(7).

  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( إن أعظم الذنوب عند الله رجل تزوّج امرأةً ؛ فلما قضى حاجته منها طلقها، وذهب بمهرها، ورجل استعمل رجلاً فذهب بأجرته، وآخر يقتل دابة عبثاً )(8).

 ولا يحلّ شيء من مهر المرأة إلا ما كان عن طيبة نفس منها ( فكلوه هنيئاً مريئاً )، وليس للمهر مقدار محدد، وإنما يصح بكل ما تنتفع به المرأة وإن قلّ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم  فعرضت عليه نفسها فقال ( ما لي اليوم من النساء من حاجة ) . فقال رجل يا رسول الله زوجنيها قال ( ما عندك ؟) . قال ما عندي شيء قال ( أعطها ولو خاتم من حديد). قال ما عندي شيء قال ( فما عندك من القرآن ؟) . قال كذا وكذا قال ( فقد ملكتكها بما معك من القرآن )(9).

 والمهر تكريم للمرأة وتطييب لنفسها كشأن الهدية -سبيل للتحابب والتوادّ ، لا أنه ثمن للمرأة كما يظن بعض الجُهّال فيُغالي فيه ليبلغ به قدر المرأة كما يظن وما هو ببالغه ، فهاهي سيدة نساء أهل الجنة ابنة سيد المرسلين فاطمة رضي الله عنها لما تزوّجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأراد الدخول بها ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( أعطها شيئاً ) قال : ما عندي شيء . قال ( أين درعك الحُطَمية ؟ ) فأعطاها درعه(10).

  وهاهي مهور أمهات المؤمنين رضي الله عنهن لم تتجاوز خمسمائة درهم فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : سألت عائشة رضي الله عنها ، كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت : كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة وقية ونشًّا ، قالت : أ تدري ما النّشّ ؟ قلت : لا ، قالت : نصف أوقية ، فذلك خمسمائة درهم(11).

  قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :[ والمستحب في الصداق -مع القدرة واليسار- أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا بناته ، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة ، نحواً من تسعة عشر ديناراً ، فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من فعل ذلك فقد استنّ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصداق .... فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم  اللواتي هنّ خير خلق الله في كل فضيلة ، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة ، فهو جاهل أحمق ، وكذلك صداق أمهات المؤمنين ، وهذا مع القدرة واليسار ، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة (12)

وغلاء المهر ومؤونة الزواج سبب لوقوع عداوة للمرأة في نفس زوجها ؛ إذ تكلّف لها ما لا يطيق ، فلا يطيق منها بعدئذ هفوة أو زلل أو تقصير يسير ؛ عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَلَا لَا تَغْلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَكْرُمَةً وَفِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ

 بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُغْلِي بِصَدُقَةِ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ وَحَتَّى يَقُولَ كُلِّفْتُ لَكُمْ عِلْقَ الْقِرْبَةِ.(13)

  وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم  على من تكلف من المهر ما لا يطيق ، وقد أتى يستعينه على آداء المهر ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنِّى تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ.فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي عُيُونِ الأَنْصَارِ شَيْئًا ». قَالَ قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا. قَالَ « عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا ». قَالَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِى بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ ». قَالَ فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِى عَبْسٍ بَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ(14).

  وأخيراً ليضع الأولياء والزوجين نصب أعينهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خيرهنّ أيسرهنّ صداقا )(15).

 

تكتب هذه السلسلة

 د. إلهام الجابري

 

(1) -أخرجه البخاري باب كيف آخى النبي e بين أصحابه ح3722-3/1432 وفي غيره من المواضع ، ومسلم ك النكاح  باب الصداق وجواز كونه قرآناً ح 3556-4/144 .

(2) - سورة النساء آية 4 .

(3) - تفسير القرآن العظيم 2/77 .

(4) - سورة البقرة آية 236 .

(5) - أخرجه أبو داود ك النكاح باب فيمن تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات ح2119-2/203 ، وابن حبان باب الولي ح4072-9/381 ، والحاكم 2/182 وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح1842 .

(6) - أخرجه أبو داود باب فيمن تزوج ولم يسم صداقاً ...ح2116-2/202 ، وابن ماجه باب الرجل يتزوج ولا يفرض لها صداقاً ح1891-1/609 ،  والنسائي في السنن الكبرى باب ذكر الاختلاف على عامر الشعبي ح5517-3/317 ، وابن حبان باب الصداق ح4098-9/407 ،قال محققه شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين ، وأحمد ح 18487-4/280 .

(7) - سورة النساء آية 20،21 .

(8) - أخرجه الحاكم 2/182 وقال : صحيح على شرط البخاري . ووافقه الذهبي ، وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة ح999 .

(9) - أخرجه البخاري ك النكاح باب إذا قال الخاطب للولي زوجني فلانة على كذا ح 4847-5/1975 ، ومسلم ك النكاح باب الصداق ..ح3553-4/143 .

(10) - أخرجه أبو داود ك النكاح باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً ، والنسائي ك النكاح باب تحلة الخلوة .

(11) - أخرجه مسلم ك النكاح باب الصداق ح1426 .

(12) - مجموع الفتاوى 32/194-195 باختصار .

(13) - النسائي ك النكاح باب القسط في الأصدقة ح3349-6/117 وقال الألباني صحيح ، وأحمد ح285-1/40 قال شعيب الأرناؤؤوط: صحيح ، وأخرجه الحميدي ح23-1/13، البيهقي 14736-7/234 ، والحاكم ح2725-2/191 ، وابن ماجه ك النكاح ح1887-1/607 وقال الألباني: حسن صحيح .

قال ابن الأثير :[علق القربة : يقال : جشمت إليك علق القربة، وعرق القربة ( أي : تكلفت إليك وتعبت حتى عرقت كعرق القربة )، قال: الأصمعي: عرق القربة معناه الشدة ) ولا أدري ما أصله ، وقال غيره : العرق إنما هو للرجل لا للقربة، قال وأصله : أن القرب إنما كان يحملها الإماء ومن لا معين له ، وربما افتقر الرجل الكريم واحتاج إلى حملها فيعرق ، لما يلحقه من المشقة والحياء من الناس ، وهذا إنما يقال في الأمر يجد منه الإنسان كلفة وشدة ]جامع الأصول 7/8 .

(14) - أخرجه مسلم ك النكاح باب ندب النظر إلى وجه المرأة ح3551-4/142 .

(15) -أخرجه ابن حبان ك النكاح ح 4043-9/342 قال محققه شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف ، والطبراني في المعجم الكبير ح 11100-11/78 .



بحث عن بحث