الحلقة (26) أهمية النية في السنة (1-2)

في السنة النبوية أحاديث كثيرة تشيد بفضل النية والإخلاص، مظهرة ما لها من أثر على الأعمال والعاملين، وهذا عرض لبعض النصوص في هذا الباب:

1 ــ النية مصدر قبول الأعمال:

عن أبي أمامة الباهلي، قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر، ماله؟ فقال رسول الله ﷺ: «لا شيء له» فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله ﷺ «لاشيء له»، ثم قال: «ألا إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغى به وجهه»(1) إن نوايانا هي التي تشكل أعمالنا وتوجهها، والعمل مهما تكن ضخامته وخطره، لا يكون جليلًا ولا يكتب له القبول الحق إلا بقدر ما تكون النوايا جليلة وصادقة، وما جاء عن الرسول ﷺ في وصيته لمعاذ حين وجهه إلى اليمن: «أخلص دينك يكفك العمل القليل»(2)

2 ــ الجزاء على العمل يتنوع بتنوع النية:

عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال: «الخيل ثلاثة، ففرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله، فعلفه وروثه وبوله حسنات في ميزانه يوم القيامة، وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليه، وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها فهي تستر من فقر»(3)

ومن ثم وجب على المؤمن – خاصة الداعية - أن يحسن نيته، فإن ما افترق الناس في غالب أحوالهم إلا من هذا الباب، لأن الغالب على بعضهم تقارب أفعالهم، ثم إنهم يفترقون في الخيرات والبركات بحسب مقاصدهم وتنمية أفعالهم.

3 ــ ونية الصالحة تجعل العادة عبادة والمباح طاعة:

إن الإخلاص والنية الصالحة هما وقود العمل، الذي إذا وضعا على أي عمل ولو كان من المباحات والعادات حوله إلى عبادة وقربة لله تعالى.

فعن أبي ذر أن ناسًا من أصحاب النبي ﷺ قالوا للنبي ﷺ: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: «أوليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة»، قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»(4)

قال القرطبي: فيه دليل على أن النيات الصادقات تقلب المباحات إلى الطاعات.
___________________________________
(1) (الترغيب والترهيب[2/264]).

(2) (الترغيب والترهيب[1/39]).

(3) (الترغيب والترهيب [2/233]).

(4) (صحيح مسلم[1006]).



بحث عن بحث