الحلقة (60): العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية (2-3)

 

العلاقة بينهما علاقة تكاملية يكمل بعضهما بعضًا، ولا يمكن فهم أحدهما إلا بالآخر، ومما درج هنا أن يقال: السنة المصدر الثاني من مصادر التشريع، ولكن عند التحقيق يتبين أن هذه المقولة مجانبة للصواب، والحق: أن السنة مصدر أساس من مصادر التشريع فهي والقرآن الكريم صنوان يكمل بعضهما بعضًا ولا يستغني بمصدر عن الآخر في تكامل التشريع.

ولا يمكن فهم أحدهما إلا بالآخر، وقد أوضح العلماء ـ رحمهم الله ـ بيان هذه العلاقة في أمور، منها:

1 ـ أن السنة جاء الأمر بها صريحًا في الطاعة والاتباع كما في القرآن الكريم بل قرنت بطاعة الله تعالى، ومن ذلك قوله: {َأطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ}(1)وقوله تعالى: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(2) ، وقوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ  وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}(3). وعلى ذلك: فكلا المصدرين يجب الأخذ بهما واعتقاد حجيتهما والتسليم لهما، والاستدلال بهما، والاستنباط منهما.

2 ـ أن السنة مبينة للقرآن الكريم، تفصل مجمله، وتخصص عامه، وتقيد مطلقه وهذا واضح وكثير كما في بيان أوقات الصلاة، وأركانها، وشروطها، وواجباتها، وكيفيتها، وعدد ركعاتها، وكما في تفاصيل أحكام الزكاة، في بيان أنصبتها، وما يخرج فيها، وكذا ما يتعلق ببعض أحكام الحدود والخيانات وغيرها كثير.

والعكس أيضًا حيث جاء بعض الأحكام مجملة في السنة أو مبنية لبعض مسائلها، لكن جاء التفصيل في القرآن الكريم، وذلك مثل ما يتعلق بالزكاة فحددت أصنافها، وأنصبتها، لكن لم يذكر في السنة تفصيل المستحقين لها كما جاء في حديث بعث معاذ إلى اليمن، قال - عليه الصلاة والسلام -: «... فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم»(4) فذكر صنفًا واحدًا وهم الفقراء، ولكن جاء في القرآن الكريم تحديد المستحقين مفصلًا كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(5).

ومن هذا الوجه أيضًا تحديد الموقف من الحديث متنًا وسندًا عندما يعارض أصلًا واضحًا في القرآن الكريم، مثل ما رُوي عن النبي ﷺ: «لا يدخل الجنة ولد زنا» وهذا الحديث ورد من طرق متعددة تقوي الأخذ به، لكن عند مقارنته بالأصول الشرعية كما في قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}(6) يتبين ضعف الحديث وعدم الأخذ به لهذه المعارضة، وهذا ينفي ما تكلفه بعض من تحدث عن الحديث وأوّله بأنه الغالب على حال هؤلاء. وهذا ليس بصحيح للمعارضة المذكورة، وغيرها فليتنبه لهذه العلاقة الدقيقة التي تحتاج تأملًا دقيقًا وذهنًا حصينًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  [النساء: 59]

(2) [النساء: 80]

(3) [آل عمران: 31 ـ 32]

(4) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، برقم(1331)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، برقم(19).

(5) [التوبة: 60]

(6)[الأنعام: 164]



بحث عن بحث