الإرهاص لمحمد صلى الله عليه  وسلم

 

كما جرت سنة الله _ تعالى _ أن يكون لبعض الرسل إرهاصات سابقة على بعثتهم كان الشأن كذلك مع خاتم الرسل محمد صلى الله عليه و سلم فلم يكن محمد بدعا من الرسل في الإرهاص له , كما لم يكن بدعاً من الرسل في اختياره رسولاً إلى الناس , و إن زاغ عن ذلك أهل الإفك و الضلال ممن كفروا به , مفترين على الله و رسوله ما ليس لهم به علم .

وبقدر ما كانت رسالة سيدنا محمد خطيرة الشأن بعد غيرها من الرسالات الأولى كان الإرهاص لها أعمق في التاريخ , وأفسخ مدى في جوانبه العلمية ،  ووجه ذلك : أن الحياة الدنيا قبل بعثة محمد صلى الله عليه و سلم كانت متصدعة في نظمها الاجتماعية و في قيمتها الأدبية .

و كانت الإنسانية في ظمأ شديد إلى تشريع سماوي جديد يشفى غلتها , و يسد ذلك الفراغ الشاغر في مجتمعها , و يكفل توجيه الناس إلى الخير المنشود و يرأب الصدوع التي أحدثها الجهل الفاشي في البيئات البدائية , والتي أثارها النزاع الطائفي بين أهل الكتاب حتى طمسوا أكثر معالم الرشد التي جاءت بها الكتب السماوية الأولى.

وحينئذ تكون الشريعة المرجوة تامة , و نهائية , لا تمهيدية , و حسب الدنيا ما مر بها من التجارب في عصورها الغابرة.

وحينئذ _ أيضا _ يكون الإرهاص لهذه الشريعة مدعوماً بوسائل البيان الواسع الذي يقوم عليه صرح الدعوة شامخاً , لا تنال منه محاولات المبطلين مهما بطل الزمن.

وإزاء هذه الاعتبارات كانت حكمة الله متجاوبة مع طموح البشرية إلى الهداية الكاملة ، وكانت متلاقية مع الأهداف المثالية للإنسانية بالتوجيه إلى تلك الرسالة عبر الإرهاصات و المعجزات التي خص بها صلى الله عليه و سلم و إليك الحديث عن هذه الإرهاصات .

 

أخذ الميثاق على الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا به وأن ينصروه:

من الإرهاصات التي سبقت ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وأعلنت عن عظيم قدره , ورفيع منزلته ، وإكرام الله له : أخذ الميثاق على الأنبياء و المرسلين أن يؤمنوا به و ينصروه إن أدركوه و لحقوه ، فإن لم يدركوا زمنه فليبشروا أممهم بمجيئه و ليعهدوا إليهم بالإيمان به و النصرة له , قال تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ *  فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[ سورة آل عمران /81 ، 82 ] .

و الميثاق في اللغة : عقد مؤكد بيمين  و الميثاق : ــ العهد ــ وفيه معى الحلف ففي أخذه استحلاف لهم .

وأخذ الميثاق من المرء عبارة عن كون المأخوذ منه وهو المعاهَد ــ بفتح الهاءــ يلتزم للآخذ وهو المعاهِد ــ  بكسر الهاء ــ  أن يفعل كذا مؤكداً ذلك باليمين أو بلفظ من المعاهدة أو المواثقة .

و معنى ميثاق النبيين ما وثقوا به على أنفسهم من طاعة الله فيما أمرهم به و نهاهم عنه .

 

 

 



بحث عن بحث