حالة العرب قبل الإسلام (8- 10)
 
تابع : الحالة الأخلاقية:
2- أهل كرم وسخاء:
كان هذا الخُلُق متأصلا في العرب، وكان الواحد منهم لا يكون عنده إلا فرسه، أو ناقته، فيأتيه الضيف، فيسارع إلى ذبحها، أو نحرها له، وكان بعضهم لا يكتفي بإطعام الإنسان بل كان يطعم الوحش، والطير، وكرم حاتم الطائي سارت به الركبان، وضربت به الأمثال (1) .
 
3- أهل شجاعة ومروءة ونجدة:
كانوا يتمادحون بالموت قتلاً، ويتهاجون بالموت على الفراش قال أحدهم لما بلغه قتل أخيه: إن يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه، إنا والله لا نموت حتفًا، ولكن قطعًا بأطراف الرماح، وموتًا تحت ظلال السيوف:
          وما مات منا سيد حتف أنفه   ...      ولا طُلّ منا حيث كان قتيل
         تسيل على حد الظباة نفوسنا   ...      وليست على غير الظباة تسيل
وكان العرب لا يقدمون شيئا على العز وصيانة العرض، وحماية الحريم، واسترخصوا في سبيل ذلك نفوسهم قال عنترة:
          بَكَرَت تخوفني الحُتوف كأنني     ...      أصبحت عن غرض الحتوف بمعزلِ
          فأجبتها إن المنية منهل            ...       لا بد أن أُسْقى بكأس المنهلِ
          فأقني حياءك لا أبا لك واعلمي  ...       أني امرؤ سأموت إن لم أقتل(2)
وقال عنترة:
            لا تسقني ماء الحياة بذلة     ...      بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
            ماء الحياة بذلة كجهنم       ...      وجهنم بالعز أطيب منزل(3)
وكان العرب بفطرتهم أصحاب شهامة ومروءة، فكانوا يأبون أن ينتهز القوي الضعيف، أو العاجز، أو المرأة أو الشيخ، وكانوا إذا استنجد بهم أحد أنجدوه ويرون من النذالة التخلي عمن لجأ إليهم.
 
4- عشقهم للحرية، وإباؤهم للضيم والذل:
كان العربي بفطرته يعشق الحرية، يحيا لها، ويموت من أجلها، فقد نشأ طليقًا لا سلطان لأحد عليه، ويأبى أن يعيش ذليلاً، أو يمس في شرفه وعرضه ولو كلفه ذلك حياته(4)، فقد كانوا يأنفون من الذل ويأبون الضيم والاستصغار والاحتقار، وإليك مثال على ذلك.
جلس عمرو بن هند ملك الحيرة لندمائه وسألهم: هل تعلمون أحدًا من العرب تأنف أمه خدمة أمي؟ قالوا: نعم، أم عمرو بن كلثوم الشاعر الصعلوك.
فدعا الملك عمرو بن كلثوم لزيارته، ودعا أمه لتزور أمه، وقد اتفق الملك مع أمه أن تقول لأم عمرو بن كلثوم بعد الطعام: ناوليني الطبق الذي بجانبك، فلما جاءت قالت لها ذلك، فقالت: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها، فأعادت عليها الكرة وألحت، فصاحت ليلى أم عمرو بن كلثوم: وا ذلاه يا لتغلب.. فسمعها ابنها فاشتد به الغضب فرأى سيفا للملك معلقا بالرواق فتناوله وضرب به رأس الملك عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، وانتهبوا ما في الرواق، ونظم قصيدة يخاطب بها الملك قائلا:
             بأي مشيئة عمرو بن هند    ...      نكون لقيلكم(5) فيها قطينا(6)
              بأي مشيئة عمرو بن هند   ...      تطيع بنا الوشاة وتزدرينا(7)
              تهددنا وتوعدنا رويدًا        ...      متى كنا لأمك مقتوينا(8)
              إذا ما الملك سام الناس خسفًا  ...    أبينا أن نقر الذل فينا(9)

(1) انظر : السيرة النبوية لأبي شهبة ( 1 / 95 ) .
(2) ديوان عنترة ص 252 .
(3) ديوان عنترة ص 82 .
(4) انظر : السيرة النبوية لأبي شهبة ( 1 / 95 ) .
(5) القيل هو : الملك دون الملك الأعظم .
(6) القطين هم : الخدم والمماليك .
(7)  تزدرينا : تحتقرنا .
(8) مقتوينا : خدمة الملوك .
(9) انظر : شرح المعلقات للحسين الزوزني ص 196 ، 204 .
 

 



بحث عن بحث