حالة العالم قبل الإسلام (3-6)

 

وروى البخاري بسنده إلى عائشة رضي الله عنها أنها قالت ( ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما  ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها ) (1)

وروى البخاري في كتاب العلم باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره بسنده إلى أبي مسعود الأنصاري قال : قال رجل : يا رسول الله . لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان . فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشد غضبا من يومئذ فقال : أيها الناس إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة ) .

إن هذه الآيات والأحاديث النبوية توضح بجلاء منهج الإسلام في السهولة واليسر وأن تكاليفه لا تستعصي على أحد ما دام يخلص نيته لله رب العالمين بل إننا نستطيع أن نستنتج من الحديث الأخير أن تعاليم الإسلام في مستوى المريض والضعيف وذي الحاجة وإنها تراعي قدرات الناس وظروفهم وأحوالهم .

والمتتبع لمنهج الإسلام في رخصه ـ مثل قصر الصلاة وجمعها للمسافر ومثل الإعفاء من حضور صلاة الجماعة لأصحاب الأعذار ومثل إباحة الإفطار للمسافر والمريض والمرضع والحامل  يتضح له مدى سماحة الإسلام ويسر تعاليمه ومراعاته لأحوال الناس تحت كل الظروف التي قد يتعرضون لها .

وأما عن تجسد تعاليم الإسلام في شخص صاحب الدعوة فإن قول الله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) كفيل ببيان هذا التجسيد العملي لتلك التعاليم الكريمة .

 

وقد روى الإمام مسلم بسنده إلى سعد بن هشام أنه قال : قلت لعائشة رضي الله عنها  : ( يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : ألست تقرأ القرآن? . قلت : بلى قالت فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن ) صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، لقد  ائتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر القرآن وانتهى بنهيه ، وبعبارة أخرى فإنه لم يأمر بشيء إلا وفعله ولم ينه عن شيء إلا  وكان أول المنتهين عنه بل إنه كان  يشتد  على نفسه صلى الله عليه وسلم ـ وييسر على أمته ويدلن قد على ذلك وصاله في الصيام وغير ذلك مما فاضت به كتب السنة .

إن الفجوة بين النظرية والتطبيق قضية يعاني منها الإنسان في العصر الحاضر من أصحاب النظريات المختلفة من شيوعيين وغيرهم ــ بل أنهم يحملون رعاياهم على غير ما يلزمون به أنفسهم و قد أوجد ذلك في مجتمعاتهم صفات قذرة مثل النفعية والوصولية وانتهاز الفرص والنفاق والخداع وغيرها من أقبح الصفات ، أما نحن الذين شرفهم الله تعالى بالإسلام  فقد تتلمذنا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانا المثل والقدوة من نفسه فكان خير عنوان لرسالة الإسلام بكل ما تحمله تلك الرسالة المباركة من معاني الخير والنور والهداية تبني البشر جميعا .

ولقد قدمنا هذا المبحث بين يدي حديثنا عن موضوعات السيرة العطرة ليتبين لنا عن أي رسالة نتحدث ـــ وعن أي رسول نتكلم، إنه رسول يعلو فوق كل تعبير ويسموا عن أي بيان .

ورسالة الإسلام ـ صادقة وثابتة ـ وفق هذا المنهج الذي ارتضاه هؤلاء المفكرون ـ ووفق أي منهج يرتضيه أصحاب العقول المستقيمة والفطر السليمة بل هي تحمل دلائل صدقها بين طياتها بصرف النظر عن تلك المناهج أو غيرها وما ذكرنا هذا المنهج لكي تحتم إليه ــ في صدق رسالة الإسلام ــ كلا وحاشا ــ وإنما لأنه منهج توافق في عناصره مع ما ورد في  كتاب الله وسنة رسوله . أو بعبارة أدق هو منهج مستمد من كتاب الله وسنة رسوله اللذين أقاما الأدلة الدامغة والبراهين الواضحة علي صدق الرسالة والرسول ــ ذلك الرسول الكريم الذي مع سيرته العطرة النقية في صفحات مقبلة بإذن الله .

 


(1) البخاري كتاب بدء الخلق باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم .

 



بحث عن بحث