الاطلاع على منهج إمام الدعاة صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله

 

 

إن من أبرز سمات هذا الدين الحنيف عالميته ، وكل فهم للإسلام بعيد عن هذه السمة فهم خاطئ . إن ديننا أعظم من أن يكون عبادات وشعائر ، إنه دين الخير والعطاء والحب والسلام للإنسانية جمعاء ، وهو لا يقبل من أتباعه أبداً الصوم والصلاة وشهادة الحق فقط ، وإنما يريد منهم أن يكونوا حملة لراية الإسلام وأن يوصلوا كلمته إلى أقاصي الأرض ، فذلك حق الشكر لله على نعمة الإسلام ، ومن ثم جعل الله سبحانه الدعوة إلى الإسلام فريضة من فرائضه .

 

والدعوة إلى الإسلام لابد أن تنتهج منهج إمام الدعاة الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره الأسوة الحسنة المختارة من قبل الله عز وجل ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) .[ سورة الحشر / 7 ] .وهو منهج نراه في السيرة واضح الملامح والقسمات بكل أركانه ومراحله ، حتى إن كل من كتب من العلماء في الدعوة والدعاة إنما استقى من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ففي السيرة يجد المسلم الداعية العظيم محمداً صلى الله عليه وسلم كيف اختاره الله من بين الناس أجمعين وصنعه على عينه وأعده إعداداً عظيما عظم رسالة الإسلام نفسها ، خرج بعده صلى الله عليه وسلم مثال الجمال والكمال في الفكر والقلب والسلوك ليبلغ الإنسانية جمعاء خطاب الله الأخير إليها .

 

وفي مسيرنا مع الخط البياني للدعوة الإسلامية ، نلاحظ كيف كانت تنتشر ضمن امكانيات البشر وفي حدود قدرتهم ، وليس بالمعجزات والطلاسم والمغيبات ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن جالسا والدعوة في انتشار ، بل كان يأخذ للأمر عدته ، ويعيش الدعوة الإسلامية بشرا ، وليس ملاكا ، ففي اليوم الأول خاف أن يواجه الناس بغير ما يعهدونه وأتهم نفسه ورأيه ، يتجلى ذلك في قوله للسيدة الفاضلة أم المؤمنين خديجة – رضي الله عنه – " لقد خشيت على نفسي " ثم سلك طريق السرية ، ثم من دعوة السر إلى الجهر ، في إطار من السلم ، ثم ينتقل إلى المدينة فتكون المغازي دفاعا ثم هجوماً ، كل ذلك في النطاق المحلي للجزيرة العربية ، ثم ترسم السيرة ملامح المرحلة العالمية في سني حياته الأخيرة ، صلوات الله عليه وسلامه ، حين يرسل بالكتب إلى الملوك والزعماء خارج الجزيرة يدعوهم فيها إلى الإسلام ، ويجمع لأسامة ، رضي الله عنه ، قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم جيشاً يأمره أن يطأ به البلقاء والداروم من أرض فلسطين . مسلماً بذلك المسلمين زمام المرحلة العالمية للدعوة ، ليتابعوا تلك المرحلة حتى آخر الدهر ، ثم ينتقل إلى رحمة ربه راضيا مرضيا صلوات الله وسلامه عليه . 

 

وهكذا يطلع دارس السيرة على الإسلام في صورته العالمية متجسدة في شخص إمام الدعاة صلى الله عليه وسلم.

 

 كما نتعرف من خلال تاريخ الدعوة الإسلامية على موقف صاحبها عليه الصلاة والسلام من الأحداث والقضايا التي كانت تواجهه ، ولا زالت وستبقى تواجهنا ، فقد واجهه مثلا حصار وتشريد ، ونفى ، وواجهته ضغوط نفسية واجتماعية وحروب ومعارك ،وواجهته مؤامرات وخيانات ومساومات سياسية وعقد مصالحات !! واجهته مشكلة بناء أمة ومجتمع على أسس متينة في بلاد لم تعرف التنظيمات والدولة الواحدة من زمن سحيق، وهذا كله يتطلب تحديد المواقف صريحة وإظهار السياسة واضحة .

 

ودراسة السيرة تحدد لنا موقف النبي صلى الله عليه وسلم من كل هذه الأمور لنطمئن إلى الحكمة والعدل والاستقامة والدقة في كل أحواله .

 

وهكذا يقف الداعية على  الأساليب التي يجب أن ينتهجها في معاملة الناس بكل ألوانهم وصنوفهم بدءاً من الأحباب والأصحاب والأهل إلى كل جبهة معادية يواجهها في مسيرته إلى الله (1). 


 

 

 


(1) - انظر مختصر الجامع في السيرة النبوية ص 18-19، مصادر السيرة النبوية وتقويمها ص 17-18.

 

 

 



بحث عن بحث