في السيرة أصول المعارف الصحيحة

إن دراسة السيرة النبوية تعطينا أصول المعارف الصحيحة لأمور كثيرة في حياتنا ربما تختلط فيها المفاهيم ، وتلتبس فيها الرؤى، وتتشتت فيها الأذهان ، منها ما يتعلق بالعقيدة ، ومنها ما يتعلق بالعبادة ، ومنها ما يتعلق بالأخلاق ، ومنها ما يتعلق بالتربية وغير ذلك .

عن زيد بن خالد الجهني قال : " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى كافر بالكوكب ، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب "(1) .

ففي هذا الحديث نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استثمر هذا الحدث من سيرته ، وعلم الأمة من خلاله أنه ما من نعمة إلا من الله سبحانه وتعالى ، كما قال سبحانه ( وما بكم من نعمة  فمن الله ) [ سورة النحل / 53 ] وأن النعم إذا اقترنت بسبب فالمؤمن يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يسبب السبب ، وهو الذي جعل النعمة تأتي معه ، فإذا جاء الشفاء مع الدواء فالشافي هو الله سبحانه وتعالى وليس الدواء ، فهو سبحانه الذي خلق الدواء وأعطاه خاصية التأثير ، وهو الذي وفق الشخص الذي صنع الدواء ، والذي وصف الدواء ، ثم هو سبحانه الذي من بالشفاء موافقا للدواء ، وكان يمكن لو أنه سبحانه لا يريد الشفاء ألا يأتي الشفاء مع هذا الدواء فعلى المؤمن أن يجدد إيمانه ، وأن يحرص على عقيدته ، وأن يذكر نفسه أن كل النعم من الله سبحانه وتعالى .

وعن عطاء بن أبي رباح قال : رأيت جابر بن عبدالله ، وجابر بن عمير الأنصاري رضي الله عنهما يرتميان فمل أحدهما فجلس ، فقال له الآخر : كسلت ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو - أو سهو - إلا أربع خصال ، مشي الرجل بين الغرضين ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله ، وتعليم السباحة(2) .

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله ؟ فقال : " أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ،أو تطرد عنه جوعا ، ولأن أمشى مع أخ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة – شهرا ، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام "(3) .

ففي هذين الحديثين توضيح لمفهوم العبادة في الإسلام ، وأنها ليست – كما يظن كثير من الناس – قاصرة على الشعائر التعبدية فقط ، وإنما هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، فالصلاة والزكاة والصيام والحج ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وبر الوالدين وصلة الأرحام ، والوفاء بالعهود ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد للكفار والمنافقين ، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين ، والبهائم ، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة .. " (4)


 

(1) - أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ، كتاب الإيمان – باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء (231) .

(2) - عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد ( 5/269 ) للطبراني في الكبير ، وقال : رجاله رجال الصحيح ، خلا عبدالوهاب بن بخت وهو ثقة ، وقال المنذري في الترغيب ( 1/ 381 ) رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد 

(3) -قال المنذري في الترغيب ( 2/ 704 ) رواه الأصبهاني واللفظ له ، ورواه ابن أبي الدنيا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمه ، وحسنة الألباني في الصحيحة ( 906 ) .

(4) - العبودية لابن تيمية ص 38 ط : المكتب الإسلامي .



بحث عن بحث