سيرته دليل صدق نبوته ورسالته (2-2)

 

يقول أحد الباحثين : " وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مملوءة بالعبر ،والعظات ، والدروس، والمبادئ العظيمة ، وإنا نحسب أن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكما عقله وخلقه واستقامة نفسه ، وسلامة ما يدعو إليه ، كل ذلك في نفسه دعوة إلى الإسلام في وسط غياهب الجهالة في الماضي ،وهو لا يزال القوة الداعية إلى الإسلام في عصرنا الحاضر ، وإننا نجد بعض الناس يسلمون إذا علموا السيرة النبوية ، وأدركوا عقله ، وبعده عن الأوهام والخرافات التي تسود العامة ، وتستهوى تفكير السذج " (1).

ويقول ابن القيم : " ومن هنا تعلم اضطرار العبد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، وتصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة، إلا على أيدي الرسل ...

وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به ويدخل في عداد أتباعه وشيعته وحزبه ، والناس في هذا بين مقل ومستكثر ومحروم ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم(2).

ويقول " لامرتين " شاعر فرنسا مقرراً ذلك بفكره وثقافته ولغته – والفضل ما شهدت به الأعداء -: " إن حياة محمد وقوة تأمله وتفكيره  وجهاده ، ووثبته على خرافات أمته ، وجاهلية شعبه ، وخزعبلات قبيلته ، وثباته ثلاثة عشر عاما يدعو بدعوته وسط أعدائه ، وتقبله سخرية الساخرين والهازئين ، وحميته في نشر دينه ، ورباطة جأشه ، وتطلعه إلى إعلاء كلمة الله ، كل ذلك يدل على أنه لم يكن يضمر خداعا أو يعيش على باطل .

لقد كان محمد فيلسوفا ، وخطيبا ، ومشرعا ، وقائدا ، وفاتح فكر، وناشر عقيدة .

أي رجل قيس بجميع المقاييس التي وضعت لوزن العظمة الإنسانية كان أعظم منه؟!.

لو كان مقياس العظمة هو إصلاح شعب متدهور ، فمن ذا يتطاول إلى مكان محمد؟ .

لقد سما بأمة متدهورة ، ورفعها إلى قمة المجد، وجعلها مشعلاً للمدنية، ومورداً للعلم والعرفان .

لو كان مقياس العظمة توحيد البشرية المفككة الأوصال فمن أجدر بهذه العظمة من محمد الذي جمع شمل العرب، وجعلهم أمة عظيمة، وأقام دولة شاسعة .

ولو كان مقياس العظمة إقامة حكم السماء على الأرض فمن ذا الذي ينافس محمداً وقد محا مظاهر الوثنية ليقيم عبادة الخالق وحده .

ولو قسنا العظمة بالنصر والنفوذ والسلطان فمن يدانيه في هذا المضمار ؟ .

لقد كان يتيما لا حول له ولا قوة ، فأصبح مؤسسا لإمبراطورية واسعة دامت ثلاثة عشر قرنا من الزمان .

ولو كان مقياس العظمة هو الأثر الذي يخلده في النفوس على مر الأجيال فها هو محمد تمجده مئات الملايين من الناس في مختلف البقاع ، مع تباين أوطانهم وأنواعهم وطبقاتهم (3).

ورحم الله ابن حزم حيث يقول : ( ... فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم – لمن تدبرها – تقتضي تصديقه ضرورة ، وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا ، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته لكفى ) (4) .


 


(1)  الدعوة في عهد الملك عبدالعزيز ( 2/582 ) ، والدعوة إلى الإسلام لأبي زهرة ص 65.

(2)  زاد المعاد ( 1/69-70 ) .

(3)  نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي ، مقال للدكتور عز الدين فراج ، نشر بمجلة الوعي الإسلامي ص 38- 39 العدد ( 249) .

(4)  الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/ 89 . ط : صبيح .

 



بحث عن بحث