أهمية السيرة وبواعث دراستها (3 - 12 )

 

2-محبته صلى الله عليه وسلم:

إن حب النبي صلى الله عليه وسلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وليس الحب فقط، بل مرتبة أعلى، وهي إيثاره صلى الله عليه وسلم بالحب، بمعنى أن يتفوق حب المؤمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، على حبه لنفسه وأهله وماله والناس أجمعين، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [ سورة التوبة /24 ].

 

وكفى بهذا حضا وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم، إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ)، ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله(1).

وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)(2).

 وعن أنس أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)(3).

وروى البخاري بسنده إلى أبي عقيل زهرة بن سعيد أنه سمع جده عبدالله بن هشام قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فقال له عمر: والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن يا عمر))(4).

والتعبير بقوله " أحب " في الآية والأحاديث السابقة، تعني أن يكون الله ورسوله أشد محبوبية عند المؤمن من كل محبوب سواهما.


 


(1)   الشفا للقاضي عياض 2/ 563.

(2)   الحديث رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حب الرسول من الإيمان، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والوالد والناس أجمعين، بتقديم الولد على الوالد.

(3)   الحديث رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان(16)  وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بمهن وجد حلاوة الإيمان  (165).

(4)   رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم (6632). وليس الجديد عند عمر هو حصول تلك المحبة الراجحة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الجديد هو إدراكه لتلك المحبة والتفاته إليها.

   تقرير ذلك: أنه كان في أول الأمر قد امتحن نفسه أمام حب المال والولد والزوج والعشيرة والمسكن والتجارة فوجد حبه لهذه الأشياء كلها مرجوحا بجانب حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قد جرى بعد في خاطره حديث المقارنة بين حبه له – صلى الله عليه وسلم – وحبه لنفسه، فلم يجرؤ أن يحكم فيه بشيء بل استثنى نفسه من تلك المقارنة سكوتا عن الحكم بما لم يختبره لا حكما بعد ذلك بالرجحان، فلما نبهه النبي صلى الله عليه وسلم فكر وقارن وتحسس قلبه، فإذا هو يجد من رجحان محبته للرسول صلى الله عليه وسلم عن محبته لنفسه ما كان غافلاً عنه لا ما كان خلوا منه، فقوله صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر – معناه: الآن أصبت في قولك وأحسنت التعبير عما في نفسك. انظر: المختار من كنوز السنة للدكتور دراز ص 343- 344.

 



بحث عن بحث