البر في بيت النبوة (2-4)

 

برّه صلى الله عليه وسلم بمرضعته حليمة السعدية رضي الله عنها:

كان أبو طالب حريصاً على حفيده اليتيم عليه الصلاة والسلام ، وأراد له أن ينشأ كغيره من أطفال مكة الذين كان من شأنهم أن يقضوا أول سني عمرهم في البادية يرضع اللغة العربية الفصحى مع اللبن ، ويتعلموا الجلد والأناة والرحمة .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَاسْتَرْضَعَ لَهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ، يُقَالُ لَهَا : حَلِيمَةُ ابْنَةُ أَبِي ذُؤَيْبٍ .... وَاسْمُ أَبِيهِ الّذِي أَرْضَعَهُ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى...ابْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ(1) .

وقد عَدَّ العلماء حليمة السعدية وزوجها وأولادها في الصحابة(2).

ووفدت عليه صلى الله عليه وسلم حليمة بعد تزوجه خديجة تشكو إليه ضيق العيش فكلّم لها خديجة فأعطتها عشرين رأساً من غنم وبكرات(3) وفي رواية أربعين شاة وبعيرا(4) .

وقد وردت أحاديث أخر تدل على أن أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخاه من الرضاعة جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بالجعرانة فبسط لهم ثوبه وأجلسهم عليه، فعن أبي الطفيل ، أخبره قال : « كنت غلاماً أحمل عظم البعير ، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحماً بالجعرانة فجاءته امرأة فبسط لها رداءه ، فقلت : من هذه ؟ قالوا : أمه التي أرضعته(5).

وعن عمر بن السائب أنه بلغه أن « رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه ، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه »(6).

وقد عمرت حليمة دهراً فإن من وقت أن أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى وقت الجعرانة أزيد من ستين سنة و أقل ما كان عمرها حين أرضعته صلى الله عليه وسلم  ثلاثين سنة ثم الله أعلم بما عاشت بعد ذلك(7) .

 


(1) السيرة النبوية 1/10 ، الروض الأنف 1/283 .

(2) ألف مغلطاي فيها جزء حافلا سماه التحفة الجسيمة في إثبات إسلام حليمة وارتضاه علماء عصره، وقد ذكرها في الصحابة ابن أبي خيثمة في تاريخه وابن عبد البر وابن الجوزي في "الحداء" والمنذري في مختصر سنن أبي داود وابن حجر في الإصابة وغيرهم .

(3) جمع بكرة وهي الثنية من الإبل .

(4) انظر : السيرة الحلبية 1/168 ، عيون الأثر  1/53 .

(5) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ح1956-5/271 ، وغيره قال  د . إبراهيم بن إبراهيم قريبي في كتابه مرويات غزوة حنين وحصار الطائف بعد أن استوفى طرقه ثم قال : والآثار السابقة وإن كانت لا تخلو من مقال لكنها يعمل بها في مثل هذه المسألة التاريخية. إذ لا يوجد معتمد فيها إلا هذه الآثار وليس لها معارض يدفعها.

(6) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ح1958 . وأبو داود في المراسيل .

(7) دلائل النبوة للبيهقي 5/275 .



بحث عن بحث