سابعاً: تنمية قوة الإرادة:

   إن رمضان ينمي عند الصائم قوة الإرادة، ولا سيما عند الطفل الذي أراد أن يصوم، فتقوى إرادته في مواجهة مرارة الجوع وشدة العطش، من أجل أن يحقق ما عزم عليه أمام أسرته في أداء صوم ذلك اليوم كاملاً، وهو أيضاً يهزم لذة النوم وتقوى إرادته عندما يصرعلى والدته أن توقظه للسحور مع أسرته مجتمعة.

   وعند ذلك لا تغفل الأم عن تشجيعه، فتقول: يا ابني الغالي قد أصبحت رجلاً قوياً، فأنت انتصرت على نفسك وهزمت الشيطان فصمت يوماً كاملاً، ومن كان هذا شأنه فقد بلغ مبلغ الرجال، وتذكره ببعض الأمور التي قصر فيها وادعى أنه عاجز عن تحقيقها، وأنه بإرادته القوية التي استخدمها في الصوم، يستطيع أن يحقق انتصاراً على كثير من الصعوبات بإذن الله.

 

ثامناً: تهذيب الأخلاق:

    لنتأمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الصوم جُنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سآبه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم)(1) متفق عليه. فالمقصود بالرفث: الفحش في القول والعمل، والصخب: هو الخصام والصياح(2).

   ما أعظمها من تربية أخلاقية يهذبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الكريم، وكأنه أراد منا أن نهذب أخلاقنا وألفاظنا في شهرنا، كما هذبنا أرواحنا، فيحصل لنا الكمال الأخلاقي والإيماني والروحي.

   إن تذكيرأبناءنا بهذا الحديث العظيم يعالج عندهم كثير من السلوكيات الخاطئة والألفاظ النابية، وظاهرة الكذب التي قد تنتشر عند بعضهم، فيحفظون هذا الحديث، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس له حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)(3) رواه البخاري.

   قال الحافظ في الفتح: (واستدل به على أن هذه الأفعال تنقص الصوم.... لأن الرفث والصخب وقول الزور والعمل به، مما عُلم النهي عنه مطلقاً، والصوم مأمور به مطلقاً، فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة فيه معنى يفهمه، فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين أحدهما زيادة قبحهما في الصوم على غيرها، والثاني البحث على سلامة الصوم منها، وإن سلامته منها صفة كمال فيه)(4)

   إن الصوم الحقيقي أسمى وأعظم من أن يمتنع المؤمن عن الطعام والشراب فقط، فإنه إنما يكون بكف اللسان عن الغيبة والكذب والنميمة وفاحش القول، وصوم القلب عن الأحقاد و المأثم، وصوم النظر عن الحرام.

 

   ففي هذا الشهر الكريم تجعل الأم شعار أبنائها (إني امرؤ صائم) فلا ينطق بكلمة فاحشة حتى لا يقدح في صومه، ولا يرد على من أساء إليه في المنطق، بل يسترشد بالتوجيه النبوي ويقول: (إني امرؤ صائم) ولها أن تعد أبناءها بالهدايا بعد وضع جدول خلال الشهر لمعالجة مثل هذه الألفاظ والسلوكيات الخاطئة.

 

تاسعاً: التكافل الاجتماعي:

   إن مشاركة الطفل بالصوم في هذا الشهر يدفعه إلى الإحساس بالآخرين فهو يصوم طاعة لله عز وجل وتنفيذاً لأمره فيحتمل الجوع والعطش استجابة لأوامر الله عز وجل.

   ثم يلفت انتباهه حينها أن هناك من يجوع ويعطش لفقر وحرمان، فنحرك أريحيته بالإحسان إلى الفقراء، فتتألف القلوب، وينتشر البر والإحسان.

   وعلى الوالد أن يجسد هذه الحقيقة في نفس طفله بأن يجعله يقتطع من مصروفه جزءاً ويقف بنفسه على بعض الأسر الفقيرة ليتصدق عليهم، ثم يتلى عليه قول الله عز وجل: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ: 39) وحديث أبي هريرة رضي الله عنه المرفوع: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)(5) متفق عليه

  ........ هذا غيض من فيض، ومدرسة رمضان مدرسة حافلة بالتربية في جميع المجالات، ولكل الناس الصغير والكبير، والمذنب والغافل، والجاهل، والمقصر، والشاب، والشيخ.

   فعلينا أيها الأحباب أن نجاهد أنفسنا في هذا الشهر المبارك ونشد العزم على الاستقامة والتوبة الصادقة والرجوع إلى الله، وأن نحذر من صرف أيام وليالي رمضان في غفلة ولهو، فكم أدركنا من رمضان، ثم ودعناه كما استقبلناه والحال هي الحال، والله المستعان، ولنخرج من ذنوبنا بصوم صحيح كامل، وقيام خاشع ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم، وسننت لكم قيامه، فمن صامه و قامه احتساباً، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)(6) رواه النسائي.

  أصلح الله لنا ولكم الذرية، وجعلنا من عتقائه من النار.

 


(1)      البخاري (2/ 674)، ومسلم ح (1081) واللفظ له.
(2)      البخاري (2/ 673) واللفظ له، ومسلم ح (1151).
(3)      فتح الباري (4/ 104).
(4)      فتح الباري (4/117).
(5)      البخاري (2/522)، ومسلم ح (1010).
(6)      النسائي (2/158) واللفظ له، وأحمد (1/191) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.



بحث عن بحث