البر في بيت النبوة

 

ولدت فاطمة رضي الله عنها قبل البعثة بقليل(1)، وقد رافقت الدعوة الإسلامية منذ بدايتها، ورأت ما يلاقيه النبي صلى الله عليه وسلم من أذى كفار قريش، وكانت رضي الله عنها تدافع عنه وتسليه عما يصيبه بقدر ما تستطيعه صبية في مثل سنها الصغير، من ذلك ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه، قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى جَزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتى سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أُغني شيئاً لو كانت لي مَنَعة، قال: فجعلوا يضحكون ويُحيل بعضهم على بعض، ورسول الله ساجد لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره، فرفع رأسه ثم قال: (اللهم عليك بقريش) ثلاث مرات. فشقّ عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمّى: (اللهم عليك بأبي جهل، وعليك عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي مُعَيط)، قال عبد الله بن مسعود: فوالذي نفسي بيده، لقد رأيت الذين عدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب، قليب بدر(2).

وكانت رضي الله عنها تخرج مع أبيها وزوجها إلى الغزوات، تداوي الجرحى وتسقي العطشى، قال سهل بن سعد -وهو يسأل عن جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد -: أما والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله ومن كان يسكب الماء وبما دووي، قال: كانت فاطمة بنت رسول الله تغسله، وعلي يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها فاستمسك(3).

وبقيت رضي الله عنها تؤازر أباها صلى الله عليه وسلم حتى مات فحزنت عليه وبكته، وقالت: يا أبتاه إلى جبريل ننعاه ! يا أبتاه ! أجاب رباً دعاه ! يا أبتاه ! جنة الفردوس مأواه ! وقالت بعد دفنه: يا أنس، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم(4).

وتوفيت رضي الله عنها بعده بستة أشهر أو نحوها، وهي ابنة أربع أو خمس وعشرين سنة(5)

نسأل الله تعالى أن يجعلنا مع أولادنا كما قال تعالى

(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)

اللهم آمين

 

 


 

(1)      انظر سير أعلام النبلاء 2/119 و139.
(2)      انظر: أعلام النبوة 1/170، الدرر 1/113، دلائل النبوة 1/64، والقصة أخرجها البخاري في صحيحه  في عدة مواضع منها ك الوضوء باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته ح240-1/349 مع الفتح، ومسلم ك الجهاد والسير باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين. والمقصود بـ سلا جزور الجلد الرقيق الذي يخرج فيه ولد الناقة من بطن أمه ملفوفاً. انظر النهاية في غريب الحديث والأثر 1/266 و2/396.
(3)      انظر البداية والنهاية 4/29، وزاد المعاد 3/205، وهي مخرجة في الصحيحين البخاري في صحيحه  ك المغازي باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد، ومسلم ك الجهاد باب غزوة أحد.ح 3641-3/1399.
(4)      أخرجه البخاري ك المغازي باب آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم وفي أوله زيادة.
(5)      انظر سير أعلام النبلاء 2/121.



بحث عن بحث