حقوق المولود (9- 9)

تأديب الأولاد وتعليمهم:

يخطئ كثير من الناس في فهم التربية ؛ فيقصر همه ومبتغاه من تربية ولده على تسمين بدنه وتنظيف ثوبه ، وهذا خطأ كبير فإن هذه التربية تتساوى فيها كل الكائنات ،  وأما الإنسان الذي كرّمه الله على سائر خلقه وشرّفه بحمل الأمانة ، فيُؤمّل من تربيته أن يكون عبداً لله تعالى ، قائماً بأمره ، عاملاً بشرعه ، محسناً فيما بينه وبين خلقه ، ولتتحقق هذه الغاية تحتاج إلى أمد طويل يمتد من المهد إلى البلوغ ؛ تقدر بخمس عشرة سنة وهي أطول مدة طفولة في كائن حي .

والتربية مسؤولية يتقاسمها كل من الوالدين ، عن ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  « أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ »(1) .

ولعل حظ الوالد في تعليم الأولاد وتأديبهم أكبر من حظ الأم ، كما أن حظ الأم في حضانتهم ورعايتهم وتعليمهم في سنيهم الأولى أكبر من حظ الأب ، وإلى كل منهما توجّه الخطاب في الشرع بحسب حظه من التربية ، ومن أمثلة ما توجّه الخطاب فيه إلى الرجل بشأن التربية والتوجيه قول الله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون )(2) . قال علي رضي الله عنه: " علموهم وأدّبوهم "(3) .

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع )(4)، وعن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده –عمرو بن سعيد بن العاص- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما نحل والد ولداً من نحل أفضل من أدب حسن )(5) .

ومن التوجيهات النبوية في التربية:

عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ »(6) .

وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله جملة من التوجيهات التربوية حري بالوالدين الاهتمام بها فقال : [ ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ على ما عوّده المربي في صغره من حرد وغضب ولجاج وعجلة وخفة مع هواه وطيش وحدة وجشع فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له فلو تحرز منها غاية التحرز فضحته ولا بد يوماً ما، ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها ، وكذلك يجب أن يتجنب الصبي إذا عقل مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء فإنه إذا علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر وعزّ على وليه استنقاذه منه ؛ فتغيير العوائد من أصعب الأمور يحتاج صاحبه إلى استجداد طبيعة ثانية والخروج عن حكم الطبيعة عسر جداً .

وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية التجنب فإنه متى اعتاد الأخذ صار له طبيعة ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي ويعوده البذل والإعطاء وإذا أراد الولي أن يعطي شيئاً أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء .

ويجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة وحرمه كل خير

ويجنبه الكسل والبطالة والدعة والراحة بل يأخذه بأضدادها ولا يريحه إلا بما يجمّ نفسه وبدنه للشغل فإن الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم وللجد والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا وإما في العقبى وإما فيهما فأروح الناس أتعب الناس وأتعب الناس أروح الناس فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب قال يحيى بن أبي كثير لا ينال العلم براحة الجسم .

ويعوِّده الانتباه آخر الليل فإنه وقت قسم الغنائم وتفريق الجوائز فمستقل ومستكثر ومحروم فمتى اعتاد ذلك صغيراً سهل عليه كبيراً ](7) .

وليعلم الوالدان أن تقصيرهما في تربية ولدهما جناية عليه كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ( ألا لا يجني جان إلا على نفسه ، ولا يجني والد على ولده ولا مولود على والده )(8) . وتفريط كبير في المسؤولية التي تحمّلاها بإنجاب هذا الولد ، سيتحملانها في الدنيا بما يحصل لهما من عقوق ولدهما ؛ جرّاء إساءة تربيتهما له وإهمالهما إياه .

وصلاح الولد نعمة عظيمة، ومنة- من الله- كريمة، لا يشعر بها، ويعرف فضلها، ويقدّر قدرها إلا من حرم منها، وتلوع قلبه بضدها، واكتوى فواده بنقيضها.

قال الحسن البصري -وسئل عن قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا )(9)-فقال: أن يُري الله العبد المسلم من زوجته، ومن أخيه، ومن حميمه طاعة الله. لا والله ما شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولداً ، أو والداً ، أو أخاً، أو حميماً مطيعاً لله عز وجل(10).

فاللهم ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.

 


(1) أخرجه البخاري باب العبد راع في مال سيده ح2278-2/848 ، ومسلم باب فضيلة الإمام العادل ح4828-6/7 .

(2) سورة التحريم آية 6 .

(3) تفسير الطبري 23/491 .

(4) أخرجه الترمذي ك البر والصلة باب أدب الولد ح1951-4/336 قال: هذا حديث غريب و ناصح هو أبو العلاء كوفي ليس عند أهل الحديث بالقوي ولا يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه و ناصح شيخ آخر بصري يروي عن عمار بن أبي عمار وغيره وهو أثبت من هذا  . وأحمد ح20938-5/96 وقال الأرناؤوط: ضعيف لضعف ناصح أبي عبد الله ،  قال الألباني في الجامع الصغير وزيادته ح10113-1/1012: ضعيف .

(5) أخرجه الترمذي  ك البر والصلة باب ما جاء في أدب الولد ح1952-4/337 وقال: هذا حديث غريب لا نعرف إلا من حديث عامر بن أبي عامر الخزاز وهو عامر بن صالح بن رستم الخزاز و أيوب بن موسى هو ابن عمرو بن سعيد بن العاصي وهذا عندي حديث مرسل . قال الألباني : ضعيف  ، والبيهقي في السنن الكبرى باب ما على الآباء والأمهات من تعليم الأولاد ح4876-3/84 وقال: هو مرسل ، وأحمد ح16763-4/78 وقال الأرناؤوط: إسناده ضعيف ، وعبد بن حميد ح362-1/141 ، والقضاعي في مسنده الشهاب ح1295-2/251 ، وضعفه الألباني في السلسلة الصعيفة ح1121-3/249 .

(6) أخرجه أبو داود باب متى يؤمر الغلام بالصلاة ح495-1/185 ، قال الألباني: حسن صحيح ، والدارقطني في سننه باب الأمر بتعليم الصلوات ..ح2-1/230 ، والبيهقي باب ما على الآباء والأمهات ...ح4871-3/84 ، وأحمد ح6765-2/187 ، قال الأرناؤوط: إسناده حسن ،  وصححه الألباني في إرواء الغليل ح247-1/266 .

(7) تحفة المودود ص240 .

(8) أخرجه ابن ماجه باب لا يجني أحد على أحد ح2669-2/890 ، الدارقطني في سننه ك البيوع 3/45 ، والبيهقي باب إيجاب القصاص على القاتل ح15677-8/27 ، والطبراني في المعجم الكبير ح58-17/31 ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح1974-4/623 .

(9) سورة الفرقان آية 74 .

(10) تفسير ابن كثير 6/132 .



بحث عن بحث