اختيار الأسماء  (4-5)

 

       وإليكما أيها الفاضلان ما ينبغي أن تتجنباه من الأسماء المحرمة والمكروهة، مما جاءت السنة ببيانه، أو أجمع عليه العلماء، وهي كالتالي:

1. يحرم كل اسم معبد لغير الله, فقد وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم- قوم, فسمعهم يسمون : عبد الحجر , فقال : ( ما أسمك ؟ فقال : عبد الحجر , فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: إنما أنت عبد الله )(1) ، وفي هذا الباب يقع بعض الناس في الغلط بدون علم , وذلك في التعبيد لأسماء يظن أنها من أسماء الله تعالى , وليست كذلك , مثل: عبد الستار, عبد الموجود , عبد المقصود , عبد الوحيد ....، وهذا تعبيد بما لم يسم الله به نفسه, ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم-.

2. التسمية بملك الملوك، أو سلطان السلاطين, فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ( إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ) (2) .

3. ويحرم التسمية بالأسماء المختصة بالرب- تبارك وتعالى-, فقد روى أبو داود بسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه وفد عليه قوم بالمدينة , وسمعهم يكنون أحدهم بأبي الحكم، فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال : ( إن الله هو الحكم , وإليه الحكم , فلم تكنى أبا الحكم ؟  فقال : إن قومي أذا اختلفوا بشيء أتوني , فحكمت بينهم , فرضي كلا الفريقين , فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ( ما أحسن هذا ؟ فما لك من الولد ؟     قال : لي شريح، ومسلمة، وعبد الله , قال : ( فمن أكبرهم ؟  قلت : شريح , قال : فأنت أبو شريح ؟) (3) .

4. وكذا التسمية بأسماء الشياطين , كخنزب , الولهان .... الخ , وقد شكى عثمان بن أبي العاص من وسواسه في الصلاة , فقال - صلى الله عليه وسلم-: ( ذلك الشيطان يقال له خنزب ) (4).

5.   والتسمية بأسماء الأصنام المعبودة كــ : هبل , ونائلة , واللات , .... الخ .

6. التسمية بالأسماء الأعجمية المولودة للكافرين، الخاصة بهم، وهذا مبتلين به في هذا الزمان، وعظمة الفتنة به , فنجد بعض المسلمين يلتقط اسم الكافر من أوروبا، وأمريكا، وغيرهما، فيسمي به ابنه، أو ابنته, وهذا من أعظم أسباب الخذلان , ومنها : بطرس , جورج , ديانا , سوزان, روز, يارا , فالي , .... الخ .   

       قال الشيخ بكر أبو زيد : (وكذا التقليد للكافرين في التسمي بأسمائهم , إن كان عن مجرد هوى وبلادة ذهن , فهو معصية كبيرة وإثم , وإن كان عن اعتقاد أفضليتها على أسماء المسلمين فهذا على خطر عظيم، يزلزل أصل الإيمان , وفي كلتا الحالتين تجب المبادرة إلى التوبة منها، وتغيرها شرط في التوبة منها ) (5)

 

        والمسلم المطمئن المعتز بدينه يبتعد عن هذه الأسماء، وينفر منها، ولا يحوم حولها, ولغتنا العربية بحر زاخر بالأسماء الجميلة, فتنبه أيها الفاضل.

7.التسمي بالأسماء الأعجمية , تركية , أو فارسية , أو بربرية , أو غيرهما، مما تتسع له لغة العرب ولسانها , ومنها : ناريمان , شريهان , نيفين , شيرين , شاذي , جيهان (6).

 

أما الأسماء المكروه , فمنها :

1. من الأسماء المكروه ما رواه مسلم في صحيحه عن سمرة بن جندب , قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ( لا تسمين غلامك يسارا، ولا رباحا، ولا نجاحا، ولا أفلح، ولا بجيحا, فإنك تقول : أثم هو ؟ فلا يكون , فيقول : لا ) (7) (*)

      قال ابن القيم : (و في معنى هذا : مبارك , ومفلح , وخير , وسرور , ونعمة , وما أشبه ذلك, فإن المعنى الذي كره له النبي - صلى الله عليه وسلم- التسمية بتلك الأربع موجود فيها , فإنه يقال : أعندك خير؟ أعندك نعمة ؟ فيقول : لا  : فتشمئز القلوب من ذلك، وتتطير به , وتدخل في باب المنطق المكروه ...., مع أن فيه معنى أخر يقتضي النهي , وهو تزكية النفس بأنه مبارك, ومفلح , وقد لا يكون كذلك , كما روى أبو داود في سننه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ( نهى أن يسمى برة , وقال ( لا تزكوا أنفسكم , الله أعلم بأهل البر منكم ) (8) ، (9).

2.   ويكره التسمية بأسماء الملائكة, عند جماعة من أهل العلم.

3.   والتسمية بأسماء الفراعنة، والجبابرة، منها : فرعون , وقارون .

4.   التسمي بأسماء الحيوانات المشهورة بالصفات المستهجنة: كحنش, وحمار, وكلب.... الخ .

5. والتسمية بكل اسم مضاف من اسم، أو مصدر، أو صفة مشبهة، مضافة إلى لفظ (الدين), ولفظ (الإسلام)، مثل : نور الدين , ناصر الدين , ضياء الدين , نور الإسلام ,محي الدين(10).

       وذلك لعظم منزلة هذين اللفظين , فالإضافة إليهما على وجه التسمية فيها دعوا فجة تطل على الكذب، ولهذا نص بعض العلماء على التحريم , والأكثر على الكراهية (11).

       ومثل ذلك سعد الدين , عز الدين , ومن التعالي في نحو هذه الألقاب : زين العابدين(12). ويختصرونه بلفظ ( زينل ) , و قسام علي , ويختصرونه بلفظ : ( قسملي ) .

6. وتكره التسمية بالأسماء المركبة, مثل: محمد أحمد, محمد سعيد, ويلحق بها المضاف إلى لفظ الجلالة ( الله ) , مثل : حسب الله , رحمة الله ...., أو المضاف إلى لفظ الرسول ؛ مثل : حسب الرسول , وغلام الرسول ....

7. وتكره التسمية بأسماء سور القرآن الكريم مثل : طه , يس ....، قال ابن  القيم : (وأما ما يذكره العوام : أن يس , وطه من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم-, فغير صحيح ,  ليس ذلك في حديث صحيح , ولا حسن , ولا مرسل ) (13) .

8.   ويكره التسمية بأسماء فيها معان تدل على الإثم والمعصية, كمثل: ظالم.

9.   ويكره تعمد التسمي بأسماء الفساق الماجنين من الممثلين، والمطربين، أو لاعبي الكرة .

فإن من ظواهر انهزامية بعض المسلمين , وفراغ نفوسهم من عزة الإيمان أنهم إذا رأوا لاعبا برز اسمه في فنه , أو ممثلة خليعة برزت صورتها في المجلات , أو مطربة ذاع صوتها في آفاق محبيها , تسارعوا متهافتين إلى تسمية مواليدهم عليهم , فإلى الله الشكوى....

 

10.    وتكره التسمية بما تنفر منه القلوب لمعانيها، وألفاظها, أو لأحدهما؛ لما تثيره من السخرية والإحراج لأصحابها, والتأثير عليهم , فضلا عن مخالفة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم- بتحسين الأسماء , ومنها : حرب , مرة , خنجر .... الخ .

11.    ويكره التسمي بأسماء فيها معاني رخوة شهوانية , قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ : ( ومن أقبح الأسماء التي راجت في العصر , ويجب المبادرة إلى تغييرها لقبح معانيها , هذه الأسماء التي أخذ الآباء يطلقونها على بناتهم ؛ مثل : وصال , وسهام , ونهاد - وهي المرأة التي إذا كعب ثديها , وارتفع عن الصدر وصار له حجم - , وغادة - وهي المرأة الناعمة اللينة البينة الغيد - , وفتنة .... ونحو ذلك , والله المستعان ) .

 

     وأخيرًا ....  أيها الفضلاء، آباء وأمهات , جلنا في رحاب سنة نبينا وحبيبنا - صلى الله عليه وسلم-  فقرأنا أحاديثه العطرة , التي أرشدتنا إلى حسن التسمية , فهلا وسعتنا هذه السنة الغراء بما فيها من توجيهات نيرات , لنربأ بأنفسنا وأبنائنا من أسماء لا تليق في شرعنا، ولا ترضي ربنا, وفيها تبعة لعدونا، فهيا بنا إذاً لنصبغ أسماء أبنائنا بالصبغة الشرعية ؛ ففيها الخير والفلاح لهم بإذن الله تعالى .

 

     وقد يتنبه الغافل بعد قراءة هذه الأحاديث، ويكون قد وقع في ما وقع فيه من المحذور، فيقول : إذاً فما المخرج ؟ فنقول له - لا تجزع - حفظك الله، وألهمك رشدك - ففي سنة نبيك محمد-  صلى الله عليه وسلم- المخرج , وذلك بما نهجه من منهج قويم في تغيير كثير من الأسماء القبيحة أو المحرمة , وهذا ما سنعرض له بإذن الله في لقائنا القادم , دمت في رعاية الله وحفظه أيها المسدد .

ـــــــــــ

(1) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه .

(2) أخرجه البخاري في الأدب : باب أبغض الأسماء إلى الله , ومسلم ح (2143) في الأدب : باب تحريم التسمي بملك الأملاك .

(3) أخرجه أبو داود في سننه في الأدب : باب في تغير الاسم القبيح .

(4) أخرجه مسلم في صحيحه في الطب : باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة ,ح(2203) .

(5) ينظر تسمية المولود ص (31), وهدية للأم الجديدة للمحمود ص (35).

(6) ينظر المصدر السابق .

(7) أخرجه مسلم في الأدب : باب كراهية التسمية بالأسماء القبيحة (3/1685)

(8) أخرجه أبو داود في الأدب : باب تغيير الاسم القبيح (4/288) ح (4953) , وأخرجه مسلم في باب استحباب تغيير الاسم القبيح (3/1687) ح (142) .                             

(9) ينظر: تحفة المودود ص (74) .

(10) ينظر: السلسلة الصحيحة للألباني ص (427) ح (216).

(11) ينظر: تسمية الولود ص(35) وفيه: ( وكان النووي ـ رحمه الله ـ يكره تلقيبه بتقي الدين, ويقول: ( لكن أهلي لقبوني بذلك فاشتهر ).

*وفي شرح الأذكار لابن علان (6/110): ( قال ابن زنجويه فإذا ابتلي رجل في نفسه، أو أهله ببعض هذه الأسماء فليحوله إلى غيره , فإن لم يفعل , وقيل : آثم يسار أو بركة ؟ فإن من الأدب أن يقال : ( كل ما هنا يسر وبركة , والحمد لله , ويوشك أن يأتي الذي تريده , ولا يقال : ليس هنا , ولا خرج ) .

(12) والرافضة يذكرون أن النبي - صلى الله عليه وسلم- سمى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب :سيد العابدين , وهذا لا أصل له ؛ كما في" منهاج السنة " (4/50)، قال الشيخ بكر أبو زيد في تسمية المولود ص (36) : ( وعلي بن  الحسين من التابعين , فكيف يسميه النبي - صلى الله عليه وسلم- بذلك ؟!).

(13) ينظر: تحفة المودود  ص (80) .

 



بحث عن بحث