مراتب الأسماء   (1- 5)

 

إن العناية باختيار أسماء الأولاد جزء من التربية الصحيحة، وهو حق من حقوق الطفل في الإسلام، لذا وجب على الأب والأم (والتسمية حق للأب، وفي التشاور بينهما ميدان فسيح للتراضي وقطع للمنازعة ) اختيار الاسم الحسن في اللفظ والمعنى , حيث سبق أن أشرنا إلى تأثير الأسماء على مسمياتها، فتأنيا ــ يا رعاكم الله ــ ولا تختارا اسمًا إلا وقد قلبتما النظر في سلامة لفظه , ومعناه ؛ ليكون : حسنًا , عذبًا في اللسان , مقبولا للأسماع،  يحمل معنا شريفا كريما , ووصفا صادقا , خاليا مما دلت الشريعة على تحريمه، أو كراهيته , وإن رمتما فضلاً فبادرا بالتسمية بالأسماء المستحبة المحبوبة لله - عز وجل-, والمفضلة في الشريعة , تقربا إلى الله - عز وجل- بهذا الاسم، وإحسانا إلى هذا الولد , وأي إحسانٍ يكون أعظم من أن تختار له اسم يحبه الله - عز وجل-، أو أرشد إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم-, أو أسما من أسماء أنبياء الله - عز وجل-, أو أهل الفضل والسبق في الإسلام , إعانة منا لكما نقف معكما هذه الوقفات السريعة مع بعض الأحاديث الشريفة؛ لمعرفة رتب الأسماء  المشروعة ومنازلها، وما يضادها، عسى الله أن يوفقنا وإياكم إلى بناء أسر مسلمة , سماتها الإسلام : في أسمائها، وأخلاقها، وتعاملها،  وقد آن الولوج في المطلوب , والله حسبنا ونعم الوكيل .

 

1ـ عن ابن عمر - رضي الله عنه- قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ( إن أحب أسمائكم إلى الله - عز وجل-: عبد الله , وعبد الرحمن ) رواه مسلم وأبو داود وغيرهما .

فقد دل هذا الحديث على استحباب التسمية بهذين الاسمين: عبد الله، وعبد الرحمن؛ لأنهما أحب الأسماء إلى الله.

قال ابن حجر في الفتح : ( قال القرطبي: وإنما كانت أحب إلى الله لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله , وما هو وصف للإنسان وواجب له، وهو العبودية , ثم أضيف العبد إلى الرب إضافة حقيقية , فصدقت أفراد هذه الأسماء، وشرفت بهذا التركيب، فحصلت لها هذه الفضيلة , وقال غيره الحكمة في الاقتصار على الاسمين أنه لم يقع في القرآن إضافة عبد الله إلى اسم من أسماء الله تعالى غيرهما , قال الله تعالى : ( وإنه لما قام عبد الله يدعوه ) وقال في آية أخرى : (وعباد الرحمن ).

 

وقيل إن أسماء الله الحسنى فيها أصول وفروع , وللأصول أصول , فأصول الأصول اسمان : الله , والرحمن ؛ لأن كلا منهما مشتمل على الأسماء كلها ؛ قال تعالى : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن )  ولذلك لم يتسمى بهما أحد، وفي إضافة العبودية إلى كل منهما حقيقة محضة، فظهر وجه الأحبية , والله أعلم(1)

 

وقد أرشد الرسول - صلى الله عليه وسلم- إلى المبادرة بالتسمية بهذين الاسمين بفعله - صلى الله عليه وسلم-, وذلك عندما ولد لأحد الصحابة غلام فسماه القاسم، فقال الصحابة : لا نكنيك أبا ولا كرامة , فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال : ( سمي ابنك عبد الرحمن ) متفق عليه .

فيكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قد اختار له اسما حسنا؛ ليطيب خاطره إذ غير الاسم (2).

 

وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم- ابن عمه العباس : عبد الله - رضي الله عنها- .

وفي الصحابة ـ رضي الله عنهم ــ نحو ثلاث منهم رجل كل منهم اسمه عبد ا لله , و به سمي أول مولود للمهاجرين بعد الهجرة إلى المدينة : عبد الله بن الزبير ــ رضي الله عنهما ــ  .

 

2ـ ثم يأتي استحباب التسمية بالتعبيد لأي من أسماء الله الحسنى مثل عبد الملك , عبد المجيد , قال القرطبي : ( يلحق بهذين الاسمين ــ أي عبد الله وعبد الرحمن ــ ما كان مثلهما كعبد الرحيم , وعبد الملك , وعبد الصمد ) (3) . وقال ابن حزم : ( اتفقوا على استحسان الأسماء المضافة إلى الله ) (4) وأسماء الله توقيفية بدليل من الكتاب أو السنة .

وأما ما يروى : ( إذا سميتم فعبدوا ) , و ( أحب الأسماء إلى الله ما تعبد به ) ففي إسناد كل منهما ضعف , كما ذكر ذلك الحافظ في الفتح(5) , وكذا ( أحب الأسماء إلى الله ما عبد وما حمد) فقد قال عنه الألباني - رحمه الله- : ( لا أصل له ) (6)

 

في المقابل فيحرم التسمية بكل اسم معبد لغير الله , قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ ( اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله , كعبد العزى , وعبد عمرو )(7) قال الألباني ـ رحمه الله ـ : ( وعليه فلا تحل التسمية بـ : عبد علي , وعبد الحسين , كما هو مشهور عند الشيعة , ولا بـ : عبد النبي , أو عبد الرسول ؛ كما يفعله بعض الجهلة من أهل السنة )(8) .

والحمد لله , قلَّ بيت من بيوت المسلمين , إلا وفيه من هذه الأسماء الكريمة المعبدة باسم الله تعالى , إذ قد أدرك أصلا من استحباب التسمية بذلك , اتباعا لنهج سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- فلنكن مثلهم , ولنصل الخلف بهدي السلف .

ولنا أن نقف مع التسمية بما عبد الله - عز وجل-, وقفة رائعة نربط فيها التسمية بالتربية , عندما نسمي ذلك الولد : " عبد الرحيم "، ونقول له هنيئا لك هذا الاسم الذي تسميت به، إنه الرحمة العظيمة الشاملة من الله - عز وجل- لجميع عباده , ليكن لك جزءًا من هذه الصفة في شخصيتك، كن رحيما , فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : ( الراحمون يرحمهم الرحمن )، وفي رواية : ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ).

 

وكذا إن كان اسمه " عبد الكريم " فيقال له : ما أجمل صفة الكرم، تلك الصفة التي تجعلك محبوبا , في الإنفاق على المساكين , كريمًا مع الضعيف , كريمًا في تعاملك وتسامحك مع الآخرين , دم كريما، ووساما للكرم بهذا الاسم الذي تحمله, عندها ستظل تلك الكلمات راسخة في خاطره، يرسم له بها منهجا كريما في حياته ـ بإذن الله ـ .

 

أدخلنا الله وإياكم بكرمه فسيح جناته, وإلى لقاء متجدد مع المرتبة الثالثة.

 

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) - ينظر: فتح الباري (10/ 571 )

(2) - والرافضة حرموا أنفسهم عن التسمي باسم عبد الرحمن؛ لأن قاتل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- هو عبد الرحمن بن ملجم. انظر: تسمية المولود لبكر أبو زيد  ص (22 ).

(3) - ينظر: فتح الباري (10/ 570).

(4) - ينظر: تحفة المودود  ص (72 ).

(5) - ينظر: فتح الباري ( 10/ 571 ).

(6) - ينظر: السلسلة الضعيفة (1/595).

(7) - ينظر: تحفة المودود ص (72).

(8) - ينظر: السلسلة الضعيفة ( 1/ 596).

 



بحث عن بحث