هل نرحب بحج أولادنا؟

 

ما من مسلم على وجه هذه البسيطة إلا وتهفو نفسه لشد الرحال إلى بيت الله الحرام حاجاً أو معتمراً، وكثير من حجاج بيت الله الحرام يفرح باصطحاب أولاده إلى الحج، وربما دفعه ذلك السرور والحبور إلى إحرام أولاده بالحج أو العمرة؛ ولذا كان لابد لنا من وقفات:

 

الوقفة الأولى: أن الحج أو العمرة من الطفل قبل البلوغ منعقد صحيح يثاب عليه، لكن لا يجزئه عن الواجب، وإنما يقع تطوعاً فإذا بلغ لزمه الإتيان بالحج(1).

 

الوقفة الثانية: هل يُؤجر الوالدان على ما احتملاه من حج الصغار؟ وبمعنى آخر هل الأولى أن يُحرم الصغار دون البلوغ بالحج والعمرة؟

جاء في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: رفعت امرأة صبياً لها في حجة الوداع فقالت: أ لهذا حج؟ قال: (نعم، ولك أجر)(2). فالحديث دال على حصول الأجر والثواب للوالدين. لكن ذلك ما لم يكن فيه مشقة على الصغار، أو شغل للوالد أو أحدهما عن أداء نسكه الذي هو مطالب به على وجه الأكمل.

 

الوقفة الثالثة: إذا كان الحاج لابد له من اصطحاب أولاده الصغار في الحج، فعليه أن يرأف بهم، وألا يشق عليهم، حتى لا يأثم في حجه بالإضرار بهم، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد  كان يشفق على الصغار من حر الشمس؛عن أسماء بنت عميس عن فاطمة بنت محمد  عليهما السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يوماً، فقال (أين ابني؟) - يعني حسناً وحسيناً- قالت قلت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق، فقال علي أذهب  بهما، فإني أتخوف أن يبكيا عليك وليس عندك شيء. فذهب بهما إلى فلان اليهودي.

وتوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في مشربة بين أيديهما فضل من تمر، فقال: (يا علي ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر عليهما؟)، قال فقال علي: أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست يا رسول ا لله حتى أجمع لفاطمة تمرات. فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ينزع لليهودي كل دلو بتمرة! حتى اجتمع له شي من تمر فجعله في حجزته، ثم أقبل فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما وحمل علي الآخر حتى أقلبهما(3).

 

الوقفة الرابعة: كيف يحج الصغير على التفصيل(4)؟

إن كان الصغير مميزاً، فيحرم عن نفسه أمره بنية الإحرام، وإن كان غير مميز فإنه ينعقد إحرامه بأن ينوي عنه وليه، وأما الطواف؛ فإن كان مميزاً فيأمره بنية الطواف، وإن كان غير مميز فينويه عنه وليه، ثم إن كان قادراً على المشي مشى، وإن لم يكن قادراً حمله وليه أو غيره بإذنه؛ إلا أن حمل، وأما إن كان غير مميز فيجزئ عن أحدهما فقط ويلقنه وليه، لأنه لا يصح أن يقع طواف بنيتين. ويقال في السعي كما قيل في الطواف، وكذلك مثله الحلق أو التقصير.

 

الوقفة الخامسة: إذا أحرم الصبي أو الصبية هل يلزمهما الإتمام(5)؟

في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، فمنهم من نظر إلى أن الحج والعمرة يلزمان بالشروع فيهما فعندئذ يجب الإتمام، ومنهم من نظر إلى أنهما غير مكلفين ولا ملزمين بالواجبات فلا يلزمهما الإتمام، ولهما التحلل ولا شيء عليهما، ولعل هذا القول هو الأقرب للصواب والأرفق بالناس، لأنه ربما يظن الولي أن الإحرام بالصبي سهل ثم يكون على خلاف ما يتوقع.فيحتاج إلى فسخ إحرام الصبي والتحلل منه.

 


 

(1)     انظر شرح النووي 9/99.
(2)     أخرجه مسلم في الحج باب حج الصبي وأجر من حج به 9/99 مع شرح النووي.
(3)     انظر: الذرية الطاهرة 1/104.
(4)     انظر الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى. 7/24-26 باختصار.
(5)     انظر المرجع السابق 7/25 باختصار.



بحث عن بحث