مظاهر من رحمته صلى الله عليه وسلم لنسائه

 

عن أم عبد الله ابنة أبي القين المزني قالت:

 كنت آلف صفية من بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم  وكانت تحدثني عن قومها ، وما كانت تسمع منهم ، قالت:

خرجنا حيث أجلانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقمنا بخيبر فتزوجني كنانة بن أبي الحقيق فأعرس بي قبيل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيام ، وذبح جزراً ودعا يهود ، وحوّلني في حصنه بسلالم ، فرأيت في النوم كأن قمراً أقبل من يثرب يسير حتى وقع في حجري ، فذكرت ذلك لكنانة زوجي فلطم عيني فاخضّرت ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلت عليه ، فسألني فأخبرته ، قالت: وجعلت يهود ذراريها في الكتيبة وجردوا حصون النطاه للمقاتلة ، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وافتتح حصون النطاه دخل علي كنانة فقال:

قد فرغ محمد من أهل النطاه ، وليس ههنا أحد يقاتل وقد قُتلت يهود حيث قتل أهل النطاه وكذّبتنا الأعراب .

فحوّلني إلى حصن النزاز بالشق ، قالت: وهو أحصن ما عندنا فخرج حتى أدخلني وبنت عمي ونسيات معنا فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا قبل الكتيبة ، فسبيت في النزاز قبل أن ينتهي النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكتيبة ، فأرسل بي إلى رحله ، ثم جاءنا حين أمسى فدعاني،  فجئت وأنا متقنعة حيية ، فجلست بين يديه ، فقال:

" إن قمت على دينك لم أكرهك ، وإن اخترت الإسلام واخترت الله ورسوله فهو خير لك ". قالت: أختار الله ورسوله والإسلام .

فأعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوّجني وجعل عتقي مهري ، فلما أراد أن يخرج إلى المدينة قال أصحابه:

اليوم نعلم أزوجة أم سرية ؟ فإن كانت امرأته فسيحجبها وإلا فهي سرية .

فلما خرج أمر بستر فسترت به فعرفوا أني زوجة ، ثم قدم إلي البعير وقدَّم فخذه لأضع رجلي عليها فأعظمت ذلك ووضعت فخذي على فخذه ، ثم ركبت ، فكنت ألقى من أزواجه يفخرن علي يقلن يا بنت اليهودي وكنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلطف بي ويكرمني ، فدخل علي يوماً وأنا أبكي ، فقال:

" مالك "؟ فقلت: أزواجك يفخرن علي ويقلن بنت اليهودي، قالت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب ، ثم قال: " إذا قالوا لك أو فاخروك فقولي أبي هارون وعمي موسى "(1) .

وفضلها بين فيه لأنه كان يغضب لغضبها ويركبها على فخذه وكونه نسبها إلى الأنبياء صلوات الله عليهم فتأمـــل معي هذه الكلمات وليكن لنا معها وقفـة ( فلطم عيني فاخضّرت ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلت عليه ، فسألني فأخبرته ) ( وكنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلطف بي ويكرمني ، فدخل علي يوماً وأنا أبكي ، فقال:" مالك

فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب ، ثم قال:" إذا قالوا لك أو فاخروك فقولي أبي هارون وعمي موسى " ) فتأمـل حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تفقد حال أهله ، ومشاركته الوجدانية لهم فهو يغضب لغضبهم ويحزن لحزنهم ، ثم توجيهه صلى الله عليه وسلم لهم ذلك التوجيه السهل الذي خلا من مبادلة التجريح بمثله والسيئة بمثلها ، ومع هذا يقطع شأفة الغيرة بالحق (فقولي أبي هارون وعمي موسى عليهما السلام ) (إن قمت على دينك لم أكرهك ، وإن اخترت الإسلام واخترت الله ورسوله فهو خير لك ).

 

من المعلوم  أن المرأة الأسيرة تكون عندئذ في غاية الضعف والخوف ، لكن من رحمة الإسلام ورحمة رسول الإسلام رحمة المرأة أيّاً كانت ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدؤها بنفي الإكراه حتى تطمئن نفسها ويذهب روعها ، ثم يشير عليها بالإسلام الذي هو خير لها ، ثم لما اختارت الإسلام كافأها أعظم مكافأة ؛ أعتقها وتزوجها عليه الصلاة والسلام . 

 

( ثم قدم إلي البعير وقدَّم فخذه لأضع رجلي عليها فأعظمت ذلك ووضعت فخذي على فخذه ، ثم ركبت ) وفي هذا غاية التواضع من أعظم رجل وسيد هذه الأمة ، مما يدل على أن رفق الرجل بامرأته وإعانتها لا ينقص من قدره شيئاً ولنـــا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة .


 


(1) أخرجه ابن عساكر في كتابه الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين ص100 وقال : هذا حديث حسن صحيح وقد أخرج البخاري قصة تزويجه بها وضرب الحجاب عليها كونها كانت تركب علىلتوا رجله صلى الله عليه وسلم عن عبد الغفار وعن أحمد بن عيسى من حديث يعقوب بن عبد الرحمن من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وقد أخرج أبو عيسى الترمذي آخر هذا الحديث في جامعه عن عبد بن حميد الكشي  ]. هو سنن الترمذي باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ح3894-5/709 . وصححه الألباني .



بحث عن بحث