أحكام الحضانــة إذا حصلت الفرقة(1-7)

 

 

تعريف الحضانة :

 - بفتح الهاء وكسرها - والفتح أشهر معناها لغة مصدر حضنت الصغير حضانة تحملت مؤنته وتربيته مأخوذة من الحضن - بكسر الحاء - وهو الجنب لأن الحاضنة تضم الطفل إلى جنبها(1) .

وفي الشرع: حفظ من لا يستقل بأمور نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه كطفل وكبير مجنون والقيام بتربيته وبما يصلحه من طعام وشراب ولباس ونحو ذلك(2).

مستحق الحضانة :

من المتفق عليه أن الأم أحق بالحضانة من الأب، واختُلف فيمن يستحق الحضانة بعدهما؛ فقيل قرابة الأم مقدمة على قرابة الأب، وقيل العكس.

واتفقوا على استحقاق الرجال من قرابة الأب الحضانة، واختلفوا في استحقاق الرجال من قرابة الأم للحضانة.

وقد أوضح ذلك ابن القيم رحمه الله فقال :[ ولما كان النساءُ أعرفَ بالتربية، وأقدرَ عليها، وأصبَر وأرأفَ وأفرغ لها،لذلك قُدِّمَتِ الأم فيها على الأب.

ولما كان الرجالُ أقومَ بتحصيل مصلحة الولد والاحتياط له في البضع، قُدِّمَ الأبُ فيها على الأم، فتقديمُ الأم في الحضانة مِن محاسن الشريعة والاحتياط للأطفال، والنظر لهم، وتقديمُ الأب في ولاية المال والتزويج كذلك.

إذا عُرِفَ هذا، فهل قُدِّمتِ الأُمُّ لكون جهتها مقدمةً على جهة الأبوة في الحضانة، فقُدِّمت لأجل الأمومة، أو قُدِّمت على الأب، لكون النساء أقوم بمقاصد الحضانة والتربية من الذكور، فيكون تقديمُها لأجل الأنوثة؟

ففي هذا للناس قولان وهما في مذهب أحمد يظهر أثرهُما في تقديم نساء العصبة على أقارب الأم أو بالعكس، كأم الأم، وأم الأب، والأخت من الأب، والأخت من الأم، والخالة، والعمة، وخالة الأم، وخالة الأب، ومن يُدلي من الخالات والعمات بأم، ومن يُدلي منهن بأب، ففيه روايتان عن الإِمام أحمد. إحداهما تقديمُ أقاربِ الأم على أقاربِ الأبِ. والثانية وهيَ أصحُّ دليلاً، واختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية(3): تقديمُ أقارب الأب وهذا هو الذي ذكره الخرقي في "مختصره" فقال والأختُ من الأب أحقُّ من الأخت من الأم وأحقُّ من الخالة، وخالة الأب أحقُّ مِن خالة الأم، وعلى هذا فأمُّ الأبِ مقدَّمة على أمِّ الأم كما نصَّ عليه أحمد في إحدى الروايتين عنه..

وعلى هذه الرواية: فأقاربُ الأب من الرجال مقدَّمون على أقارب الأم، والأخ للأب أحق من الأخ للأم،والعم أولى من الخال، هذا إن قلنا:إن لأقارب الأم من الرجال مدخلاً في الحضانة، وفي ذلك وجهان في مذهب أحمد والشافعي. أحدهما: أنه لا حضانة إلا لرجل مِن العصبة مَحْرَمٍ، أو لامرأة وارثة،أو مُدلية بعصبة، أو وارث..

والثاني: أن لهم الحضانة والتفريع على هذا الوجه، وهو قولُ أبي حنيفة،

وهذا يدل على رجحان جهة الأبوة على جهة الأمومة في الحضانة، وأن الأم إنما قدِّمت لكونها أنثى لا لتقديم جهتها، إذ لو كان جهتها راجحةً لترجَّحَ رجالها ونساؤها على الرجالِ والنساءِ من جهة الأب، ولما لم يترجَّح رجالُها اتفاقاً فكذلك النساء، وما الفرقُ المؤثر؟

وأيضاً فإن أصولَ الشرع وقواعِدَهُ شاهدةٌ بتقديم أقارب الأب في الميراث، وولاية النكاح، وولاية الموت وغير ذلك، ولم يُعهد في الشرع تقديمُ قرابة الأم على قرابة الأب في حكم من الأحكام، فمن قدَّمها في الحضانة، فقد خرج عن موجب الدليل.

فالصوابُ في المأخذ هو أن الأم إنما قُدِّمت، لأن النساءَ أرفقُ بالطفل، وأخبرُ بتربيته، وأصبرُ على ذلك، وعلى هذا فالجدَّةُ أم الأب أولى من أمِّ الأم، والأخت للأب أولى مِن الأخت للأم، والعمةُ أولى من الخالة، كما نصَّ عليه أحمد في إحدى الروايتين، وعلى هذا فتقدَمُ أمُّ الأب على أب الأب، كما تُقدَّم الأم على الأب.

وإذا تقرر هذا الأصل، فهو أصل مطَّرِد منضبط لا تتناقض فروعُه، بل إن اتفقت القرابةُ والدرجةُ واحدة قُدِّمت الأنثى على الذكر، فتُقدَّم الأخت على الأخ، والعمة على العم، والخالة على الخال، والجدةُ على الجد، وأصلُه تقديم الأم على الأب.

وإن اختلفت القرابةُ، قُدِّمت قرابةُ الأب على قرابة الأم، فتقدم الأخت للأب على الأخت للأم، والعمة على الخالة، وعمةُ الأب على خالته، وهلم جراً.

وهذا هو الاعتبارُ الصحيح، والقياسُ المطرد، وهذا هو الذي قضى به سيِّدُ قُضاةِ الإِسلام شريح، كما روى وكيع في "مصنفه" عن الحسن بن عقبة، عن سعيد بن الحارث قال: اختصم عمُّ وخالٌ إلى شُريح في طفل، فقضى به للعم، فقال الخال: أنا أُنفق عليه من مالي، فدفعه إليه شريح.

ومن سلكَ غيرَ هذا المسلك لم يجد بداً من التناقض](4).

يتبع شروط الحضانة


(1) انظر : الصحاح في اللغة 1/135 مادة حضن ، لسان العرب 13/122 مادة حضن ، مختار الصحاح 167 باب الحاء . التوقيف على مهمات التعاريف 1/283 فصل الضاد ، التعريفات 1/119 باب الحاء .

(2) انظر : نحو هذا التعريف في البحر الرائق 4/182 ،  مواهب الجليل 5/593 ،  إعانة الطالبين 4/101 ، مغني المحتاج 3/452 ،  الإقناع في فقه الإمام أحمد 4/157 .

(3) انظر مجموع الفتاوى 34/122 .

(4) زاد المعاد 5/438 .

 



بحث عن بحث